الدليل الرابع:
قوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}(1)، ووجه استدلالهم بها أنه كما دل منطوقها على حجب الكفار عن ربهم فمفهومها دال على أن المؤمنين يرونه، لأن حجب الكفار عقاب توعدوا به فلا يليق بالمؤمنين إلا خلافه.
الجواب: إن هذا الاستدلال استدلال ساقط من عدة أوجه:
1 إن الحجاب في الآية كناية عن الحرمان من رحمة الله والإبعاد عن دار كرامته، كما أن التقرب منه سبحانه لايكون حسيا وإنما يفسر بامتثال ما أمر به من الطاعات واجتناب ما نهى عنه من المعاصي، وكذلك تقرب الله من العبد لا يعني إلا إحاطته برعايته الرحمانية، وغمره بألطافه الربانية وقد وردا معا في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من طريق أبي هريرة: (( من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا )) وبهذا المعنى الذي ذكرته فسر قتادة وابن أبي مليكة، الحجاب في هذه الآية، ورواه عنهما ابن جرير(2).
2 إنه استدلال بمفهوم المخالفة، وهو حجة ظنية اختلف العلماء في الأخذ بها في الأمور العملية الفرعية، فكيف بالقضايا الاعتقادية الأصلية مع أن الاعتقاد ثمرة اليقين. على أن المفهوم هنا أقرب أن يكون مفهوم لقب وهو أضعف المفاهيم بإجماع الأصوليين والفقهاء وسائر أصحاب فنون العلم حتى أنهم عدوا من اخذ به من الفقهاء، شاذا.
3 إنه لو جاز الإستناد إلى هذا المفهوم في إثبات رؤية المؤمنين لله يوم القيامة لكان أحرى أن يستند إلى مفهوم يفيده التقييد ب(( يومئذ )) في إثبات رؤية الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم، فإن الظروف لها حكم الصفات في تقييد النسبة، ومفهوم الوصف من أقوى المفاهيم كما حرره الأصوليون، قال الإمام نور الدين السالمي في شمس الأصول:
Bogga 68