وفي هذا يقول ابن عاشور: (( ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوما لله انتفاؤه صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى جائزة عليه.
وقوله تعالى: {فسوف تراني} ليس بوعد بالرؤية على الفرض لأنه سبق قوله تعالى: {لن تراني}(1) أزال طماعية الرؤية، ولكنه إيذان بأن المقصود من نظرته إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى مع عدم ثبات قوة الجبل، فصارت قوة الكلام أن الجبل لايستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه فلست أنت بالذي تراني لأنك لاتستطيع ذلك. فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الامتناعي الحاصل بحرف (( لو )) بدليل قرينة السياق ))(2).
فكما تلاحظ أن دلالة الآية بنفي الرؤية أولى من إمكانها لأن الله جل شأنه علق رؤيته بما يستحيل وقوعه وهو استقرار الجبل حال اندكاكه إذ من المحال سكون الشيء في حال تحركه وهذا يدل على وجوب استحالة رؤيته.
قال الله تعالى: {ولايدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}(3) وهذا تعليق بالمستحيل فتعليق الرؤية بالاستقرار كتعليق ولوج الجمل في سم الخياط.
وأما السنة:
فما روي عن جماعة من الصحابة من إثبات رؤية الرسول لربه ليلة الإسراء والمعراج.
ووجه الإستدلال: هو أن الرؤية لو لم تكن ممكنة لما قال بوقوعها أحد من الصحابة، وهم أوفر عقلا وأغزر علما وأنور بصيرة.
ووجه اعتبار هذا الدليل من السنة: أنهم لايقولون شيئا من نحو هذا اعتباطا ولكن استنادا إلى ما علموه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
Bogga 45