Hogaamiyeyaasha Kacaanka Casriga ah
رواد النهضة الحديثة
Noocyada
وقف الشيخ في الضياء رصدا على الكتاب يتتبع خطواتهم اللغوية في باب «لغة الجرائد»، كان يرشدهم ويسدد خطواتهم، فسلم اللفظ من الأخطاء الفاشية، وصحت عبارة الكتاب، وكان له في ذلك أبيض يد عند حملة الأقلام، كفاهم مئونة التنقير في المعاجم، وأقر الحروف في مواضعها، وهذه التعدية بالحروف قوام الكتابة عند البلغاء، ولهذا كانت قبلة أنظار الشيخ، ومما روي عنه - ولعلها مبالغة - أنه أبرق مرة من الإسكندرية إلى مدير مجلته - الضياء - يطلب منه أن يعيد طبع أحد كراريس عدد المجلة إن لم يستطع إبدال الباء بفي في عبارة ما.
أما شخصية الشيخ فقوامها إباء وعزة نفس، وحرص على الكرامة، وأنفة كأنها الكبرياء، لذاع النقد قارصه، ولكنه «لا يحتمل الرد برحابة صدر، وهذا ما أدى به أحيانا إلى كتابة مقالات كان في غنى عنها، وليته نزه قلمه عن تحبيرها.»
كان نقد اللغة أحب المواضيع إليه، وقليلا ما كان يعالج النقد من نواحيه الأخرى، ولكنه أجاد في الدراسة التي ذيل بها ديوان المتنبي المنسوب شرحه إلى والده. فإبراهيم لم يصحح من تصانيف أبيه شرح ديوان المتنبي فقط، بل أعاد النظر فيها جميعها ؛ لأن اليازجي الكبير لم يكن باللغوي المحقق. أما الفضل في هذا التنقيح والتصحيح فيعود إلى الشدياق الذي اضطر الابن إلى جبر عثرات أبيه، فكان من وراء ذلك خير جزيل.
ليس إنشاء الشيخ إبراهيم بالإنشاء المنمق العالي، إذا استثنينا صدر مقالتي الزهرة والقمر، حيث أظهر لنا الشيخ أنه ناثر فني من الطراز الأول؛ فخياله فيهما طريف، وسجعه أنيق ظريف، كأنه الشعر أو فوق الكثير من الشعر، وسوف نعرض عليك نموذجا منه.
أما في جل نثره الآخر فيكتب بأسلوب العلماء والمؤرخين، والكتاب الاجتماعيين، وهو أكثر ميلا إلى هذه المواضيع، التي تتطلبها المجلة ليكون فيها مرعى لكل مرتاد. فتضلع إبراهيم من اللغة وإدراكه أسرارها أدى به إلى العدول عن المجاز.
فلليازجي فضل على النهضة بتعابيره الصحيحة لا بطلاوة أسلوبه وطرافة شخصيته، فهو على علمه الواسع لم يترك بعده أثرا يخلده، وهذا برهان على أن الشيخ كان لغويا لا يحيد عن الطريق المعبدة مقدار فتر حتى كأنه يمشي على الصراط، فكأنه كان يحب الرفق بالألفاظ فلا يريد أن يحملها أكثر من محمولها؛ ولهذا تأنى وتمنى حتى أصدر كتابه «نجعة الرائد في المترادف والمتوارد»، وما هذا الكتاب غير صورة ثانية عن كتاب «الألفاظ الكتابية» الذي يعلم الناس كيف يعبرون عن أفكارهم وخواطرهم كما نلقن نحن طفلا حديث العهد بالكلام، وما قتل الأدب العربي غير هذه التعابير «الجاهزة» المعدة.
ثم يبدو لنا التقليد أكثر وضوحا وجلاء حين نقرأ رسائله فنراه ينحو فيها نحو الخوارزمي والبديع، وما أعزو ذلك إلا إلى المربى الأدبي والنشأة في ظل الوالد، فهي التي وجهته هذا التوجيه، فنحن لا نرى في آثار اليازجيين ما يدلنا على أنهما عاشا في زماننا، مع أن الشيخ كان بخلاف والده يضيف إلى إدراكه أسرار اللغة اطلاعا على الآداب الأجنبية.
ولم يكن الشيخ كاتبا وشاعرا وعالما فقط، بل كان يضرب في كل فن بسهم، يحسن الرسم والتصوير والحفر، وهذا الأخير هو الذي دفعه إلى خلق هذه الحروف الجميلة التي تطبع بها كتبنا اليوم، فمن نظر إلى الحرف المطبعي القديم وقابله بحرف اليوم يسأل للشيخ حسن الجزاء والأجر، فهو ذو الفضل الأول «في صنع الحروف لعمل الأمهات التي تسبك عليها الحروف المطابع، ناهيك أنه عني باختصار قاعدة الحروف المعروفة إلى يومنا هذا، فرد عدد الأمهات إلى خمس ما هي عليه، بأن حصرها في نحو ستين أما، حال كون عددها في المألوف لا يقل عن ثلاثمائة.»
هذا ما كتبه زعيم الطباعة الأهلية المرحوم خليل سركيس في جريدته لسان الحال البيروتية يوم مات صاحبه إبراهيم اليازجي؛ لأن هذا العمل كان بإرشاد الخليل ومؤازرته، وهو الذي أبرز هذا المشروع إلى حيز الوجود في مسبكه.
وقد اطلعت على رسالة بخط يد الشيخ إبراهيم بتاريخ سنة 1870 وجهها إلى صديقه خليل سركيس في مطلع هذا العام مهنئا، فإذا به يستعمل «رؤياكم» بدلا من «رؤيتكم»، ويستعير «غرة» من الشهر القمري فاستنوق الجمل ... لقد دلني ذلك على ما أصاب من الخير العميم حين انبرى لمناظرة الشدياق، ونشبت بينهما تلك الحرب القلمية في عام 1871، وها نحن ننشر هنا رسم تلك الرسالة لتقرأها:
Bog aan la aqoon