228

Hogaamiyeyaasha Kacaanka Casriga ah

رواد النهضة الحديثة

Noocyada

إلى هنا أوصل الجد والكد الشيخ إبراهيم اليازجي الذي لم يعل رأسه سقف مدرسة. كان معولا على نفسه معتمدا عليها فخلقت منه تلك الثقة المقرونة بذكاء حاد رجلا وقف حارسا أمينا على باب لغة العرب زهاء ربع قرن. لقد صدق لما أجاب من سأله عن أستاذه حين قال أستاذي الشدياق. فهذا البحر المحيط بجبال اللغة وسهولها وأوديتها وكهوفها جر اليازجي إلى خوض غمارها وعبابها خوفا من الطوفان الذي طغا من لدن صاحب «سر الليال» و«الجاسوس على القاموس».

كان إبراهيم في طلعته الأدبية يقول الشعر كأبيه، فأكثر من نظم «التواريخ» كما مر بنا. ولسنا نعني أن هذا كل شعره، فلإبراهيم شعر حماسي قومي أهاب فيه ببني العرب يوم كانوا يعملون لاسترداد الملك المفقود. نظم قصيدتين شهيرتين نشرتا غفلا في بيروت، فأقضتا مضجع الوالي فبث جلاوزته، ورجال شرطته؛ لينتزعوهما عن الجدران، وهذا مطلع كل منهما:

تنبهوا واستفيقوا أيها العرب

فقد طما الخطب حتى غاصت الركب •••

دع مجلس الغيد الأوانس

وهوى لواحظها النواعس

وله قصائد أخرى منها واحدة في وصف الزهرة التي وصفها في مقال من النثر الفني المنمق كان خيرا من شعره المنظوم. ويقول من ترجموا لإبراهيم إنه عاف الشعر إذ «وجد أن استمرار تلك الحال سيفضي به إلى الانقطاع للشعر وإهمال ما سواه؛ فترك النظم بتة وعكف على الاشتغال باللغة وسائر فنون الأدب والعلوم العقلية.»

فماذا فعل إذن؟ انصرف إلى الكتابة فكانت جريدة «النجاح» عام 1872 ميدانا لقلمه، بعد أن جربه في مجلة «الجنان» مساورا شيخ العصر صاحب الجوائب، ولكنه لم يحرر جريدة النجاح غير بضعة أشهر؛ لأنها احتجبت «لأن دخلها لم يكف خرجها». فانتدبه الآباء اليسوعيون؛ ليعرب التوراة، فانكب على عمله الجليل تسع سنوات «فجاءت هذه النسخة من أصح ما عرف إلى الآن من نسخ هذا الكتاب، فضلا عما اشتهرت به من فصاحة العبارة وجزالة الأسلوب.»

ثم طلق الآباء اليسوعيين الثلاث وراح يعلم البيان في المدرسة البطريركية بيروت، وله في ذلك الوقت خطاب نفيس عنوانه «آداب الدارس بعد المدارس» أفاض فيه نصحا وتأديبا للنشء وغيرهم من أرباب صناعة القلم ورجال الفكر، فجاء من طراز رسالة عبد الحميد الكاتب إلى زملائه. ولما كان الشيخ من المطبوعين على المناقشة والجدل والمطارحة، ومجال هذا في الصحافة أوسع، أصدر مجلة الطبيب مع الدكتورين زلزل وسعادة، فكتب فيها أبحاثا في اللغة وغيرها، فعادت شهرته إلى الظهور، وطار صيته، ولكن هذه المجلة أيضا كانت قصيرة العمر، فماتت كالنجاح في المهد، وكما انتقلت أخت لها من قبل إلى رحمته تعالى.

ورأى الشيخ ما صادفه الذين نزحوا من الأدباء إلى مصر مثل صروف ونمر وزيدان وغيرهم فتغرب مثلهم، وهناك أنشأ مع زميله زلزل مجلة البيان فلم يطل عمرها أكثر من عام. وأنشأ الشيخ، وحده، مجلة «الضياء» الشهيرة فعاشت ما عاش، وماتت بموته بعد أن أدت للغة أجل خدمة، وفجع اللسان العربي المبين بالاثنين.

Bog aan la aqoon