223

Hogaamiyeyaasha Kacaanka Casriga ah

رواد النهضة الحديثة

Noocyada

إن أدبنا ككل آداب الأمم المعاصرة نشأ أولا صحفيا، كما قلنا، والشدياق هو أول من كتب المقالة لجوائبه، فهي الجريدة العربية الأدبية السياسية الأولى، وإن كان نشأ قبلها صحيفتان، فمن الظلم أن نحصيه مع الرواد وهو أبو الكتاب الأدبي في الفارياق وكشف المخبا. وهو أول من وضع لنا المصطلحات الحديثة. فإذا شئت أن تعرف شيخ العربية المعاصر، فاقرأ «صقر لبنان» لتلم بكل نواحيه إلماما، أما هنا فسأريك نموذجا من إنشائه لترى الأسلوب الذي مشى فيه على أثره كتاب زمانه، وكتاب العصر الحاضر.

إن الشدياق من كتاب النضال، وهو نصير المرأة قبل أن يهب شرقي لنصرتها، وهو المطالب بحريتها قبل قاسم أمين.

1

كان الرجل مغرما بالحرية حتى طالب بها للعبيد في زمن الرق والاستعباد، وإذا كنت لا تصدقني فافتح الصفحة الخامسة والثمانين من الجزء الأول من مختارات الجوائب، فلا بدع إذا أن طالب بحرية المرأة في ذلك العصر، أليس هو القائل في مقدمة فارياقه أنه بناه على أساسين: المرأة، واللغة.

وإذا نشرت لك نموذجا فليس قصدي أن أدلك على نزعته الفكرية فقط، بل لأريك بعض ما ابتكر في المقالة التي كان أبا لكتابها جميعا، تأمل كيف أخرج «جملته الأدبية» - هكذا سمى المقالة أولا - فعلم بذلك معاصريه، ومن جاءوا بعدهم. ليس لهذه المقالة عنوان، ولكني أنا عنونتها «حرية المرأة». قال الشدياق بعد مقدمة لا يتسع كتابنا هذا لذكرها:

أما سن الزوجين وقت الزواج، فليس فيه قول فاصل مبني على الاحتجاج، ففي بلاد أوروبا لا تتزوج المرأة رجلا إلا إذا كان تربا لها، وإلا فزيادة بضع سنين، وما زاد على ذلك فهو من الشذوذ الذي يشين؛ وذلك كأن يتزوج شيخ فان، وهو شريف النسب، بفتاة لا أصل لها ولا حسب، فهي إنما تتزوجه لكي ترث منه اللقب، لا لكي ترأمه رأم من أحب. وفي بلاد الشرق قد يتزوج الرجل من لم تبلغ نصف عمره، ولا يرى في هذا الفرق سببا يحملها على تركه وهجره، لأنه يعتقد أن الذكر خير من الأنثى، وأفضل منها قنسا، وأكرم جنثا.

وعلى هذا فله أن يغيرها بضرائر شتى، وأن يألت حقها ألتا، ولا يمحضها الوداد محضا، ولا يعنى بشأنها إذا امتحنت، ولا يرثي لها إذا امتهنت، وما ذلك إلا لأن الذكر خير من الأنثى، وأنه أفضل منها قنسا، وأكرم جنثا.

وإن له أن يسهر الليالي مع أحبابه، وهي مقصورة على حجرتها، ولا ترى إلا وجه ضرتها، وأن يغيب عنها دهرا، ويغادرها مقيدة باسمه كرها وجبرا، ويجعل عليها من ترقبها، فتقصوها وتحجبها، فلا تخرج إلى الشارع، ولا تبرز إلى المصانع، ولا تستنشق الهواء إلا من خروق الشباك، ولا تلمح بشرا إلا على وجل من الهلاك، وإيجاس من الانتهاك. وما ذلك إلا لأن الذكر خير من الأنثى، وأنه أفضل منها قنسا، وأكرم جنثا.

وإن له أن يدعي الولاية والكرامات، والمقام الذي يختص بالصالحين ذوي الرياضات، فيختلي بالنساء ويقرأ عليهن، ليحمل أزواجهن على ودادهن، ويصرفهم عن إبعادهن، فيقبلن عليه زمرا، ويصرف أوقاته معهن مستهترا؛ وزوجته إذ ذاك تتململ من الكمد، وتنقلب في النكد، فليس لها من تشكو إليه، ومن تعول عليه، ولا من ينقذها منه، أو يصرفها عنه، وليس لها أن تماري في ولايته، وتتطلع على حبالته. وما ذلك إلا لأن الذكر خير من الأنثى، وأنه أفضل منها قنسا، وأكرم جنثا.

وإن له أن يدعي العلم فيجمع لديه غلمانا يتلمذون له، فيأتي منازلهم ويأتون منزله، ويتلو عليهم الخزعبلات، والنوادر المستميلات، فيلازمون حضرته، ويكرمون طلعته، ويؤثرون مودته، وينوهون بفضائله، ويعجبون بشمائله، حتى تتمكن محبته في قلوب أهلهم، ومن اتصل بهم، فيودوا أن يصل نسبه إلى نسبهم، ويعرضوا عليه عوانسهم، ويستزيرونه ليوانسهم؛ وزوجته إذ ذاك، تسمع وتتأسف، وتدمع وتتلهف، وما ذلك إلا لأن الذكر خير من الأنثى، وأنه أفضل منها قنسا، وأكرم جنثا.

Bog aan la aqoon