فعادت باكارا إلى هزئها السابق، ثم قالت: إنك قد جريت في هذا الرهان شوطا بعيدا، وسلكت مسلكا لا يسلكه العقال؛ ألم يقل لك الناس أني فتاة دون قلب؟ - نعم، ولكن من كان مثلي لا يصدق هذه الأقوال. - ربما تكون قد أصبت، غير أنه كان يجب عليك في كل حال أن تستشيرني قبل أن تعقد هذا الرهان الشائن، غير أنك قلت في نفسك إني قد اشتهرت بجمالي وعرفت طرق القلوب من النساء فلا بد لي من الفوز، ثم جعلت تفتخر برهانك في النوادي، وأنت لو أجريت فيه على مناهج العقل لأمكن لك أن تعرف طريق قلبي. إنك ... ثم توقفت عن الكلام تنظر إليه. - إذن أنت تعتبرين أنني سأكون الخاسر في هذا الرهان؟ - هذا ما أراه إلا إذا ... ثم قطعت كلامها أيضا لتسمع ما يقول. - أرى أنك تقترحين شروطا، اقترحي ما تشائين؟ - أريد أن أقتنع بها قبل كل شيء أنك لا تحبني وتريد إغوائي من أجل كسب المال فقط. - ألعلك تشكين بهذا؟ وما حاجتي بالمال وأنت أعظم جواهر الأرض؟ - إذا كان ذلك فارجع إذن عن هذا الرهان إذا أردت أن أحبك. - إني لا أريد غير هذا الحب. ثم عض شفته من الغيظ وهو يخشى أن تكون قد علمت ما يجول بنفسه. - إذن أصغ لي وبعد ذلك أنت مخير بين أن تزورني أم تنقطع عن زيارتي، أما الذي أقترحه عليك فهو أن تكتب الآن إلى الكونت تخبره برجوعك عن الرهان. - وإذا كتبت هذا الكتاب؟ - إني أغفر لك.
فأطرق شاروبيم هنيهة إطراق المفكر المهموم، ثم استقر رأيه على الخضوع فقال: ليكن ما تشائين. - إذن، قم إلى هذه المنضدة واكتب ما أمليه عليك.
فقام شاروبيم وهو يضطرب وأخذ القلم بيده، فأملت عليه ما يلي:
سيدي الكونت
أرجو أن تتناسى ما أخطأت به إليك، وأن تعتبر رهاننا لغوا غير معمول به.
فتوقف شاروبيم عن إتمام الكتابة وقال: إن هذا اعتذار محض لا أكتبه لأني لم أخطئ. - بل تكتب كل ما أمليه عليك متى علمت أن خضوعك يرضيني، وأنه لا يكون وراءه غير الحب. فامتثل شاروبيم مكرها مضطرا، وأتم الرسالة على مثال ما تقدم، حتى إذا فرغ منها أخذتها منه وهي تقول باسمة: بقي عليك أن تقبل يدي وتأخذ قبعتك وتنصرف بسلام.
فأجفل شاروبيم وقال: إلى أين أذهب؟ - إن الليل قد انتصف، فإذا أردت أن تحب فابدأ بالخضوع. - متى أعود؟ - بعد غد.
فقبل يدها وانصرف وهو يفكر بالكتاب الذي كتبه إلى الكونت، وخسارة ما يرجو أن يكسبه من المال، غير أنه خطر له خاطر أخرجه من هذا الموقف، فانطلق مسرعا إلى النادي حيث رأى الكونت فيه، فخلا به وقال له: خرجت الآن من عند باكارا، فأكرهتني بدلالها على أن أكتب إليك كتابا أنقض فيه الرهان لأنها لا تحب أن يراهن عليها. - لقد أصابت. - فكتبت إليك الكتاب مكرها، ولكني أسرعت إليك كي أنقض بكلامي ذلك الكتاب، فيبقى الرهان معقودا بيننا. - ليكن ما تريد. - إذن أرجوك أن تحسب الكتاب لغوا متى وصل إليك على شرط واحد، وهو أن تقسم لي بشرفك أن لا تخبر باكارا بحرف مما دار بيننا، كي لا تعلم أمر عودنا إلى الرهان. فأقسم له الكونت على الكتمان ثم افترقا.
وفي اليوم التالي ذهب الكونت الروسي إلى باكارا فاستقبلته وقالت له: إني سأخبرك بأمر تظن أنه لا يعلمه سواك.
فقال لها الكونت: أي أمر تعنين؟ - ما قاله شاروبيم لك أمس عند منتصف الليل.
Bog aan la aqoon