فبهت صديق شاروبيم ثم قال: أهذا كل ما تريد؟ - نعم، وقد بقي علي أن أستحلفك بإنفاذ هذه المهمة. فأقسم له صديقه على تنفيذها وغادره وانصرف.
أما المركيزة فقد هلع قلبها من الخوف، وأيقنت أن هذا الرجل قد خلب قلبه حبها، وأنه سيبحث عن الموت بحث الراغب فيه لما تولاه من القنوط، فحارت في أمرها، غير أنها فطنت لأمر أملت أن يكون فيه نجاة شاروبيم، وهو أنها سمعته يقول أنه سينتدب الماجور ليكون أحد شاهديه، فقالت في نفسها: إنه لا بد أن يأتي الآن لإخبار الماجور أمامي، فإذا سمعت الحديث تداخلت في الأمر ولا تلحقني وصمة هذه المداخلة لأني ما سعيت إليها.
غير أن فأل المركيزة قد ساء؛ فإن شاروبيم لم يتزحزح من لوجه، بل نزع ورقة من دفتر جيبه وكتب عليها للماجور يرجوه أن يكون شاهده في المبارزة المتقدم ذكرها، وأرسلها إليه مع إحدى خادمات المرسح، فأعطته إياها أمام المركيزة وهي تقول إنها من شاروبيم، فعلمت المركيزة مضمونها وحاولت أن تدع الماجور يطلعها على كنهها فلم تنجح لشدة مبالغته بالكتمان، وما زالت تستنبط الحيل لحمله على الإقرار وهو يصرفها عن مرادها، إلى أن قدم زوجها المركيز فاستأذن الماجور وانصرف ذاهبا للقاء شاروبيم، أما المركيزة فإنها عادت مع زوجها بعد انتهاء الرواية إلى القصر، وباتت من إشفاقها وخوفها بليلة العين.
ولم تستيقظ من رقادها إلا في الساعة الحادية عشرة من الصباح، وهي مختلة مشردة الفكر لا تعلم ما تعمل لتطمئن على شاروبيم، وفيما هي والهة حائرة إذ دخلت عليها وصيفتها تحمل إليها كتابا من صديقتها الأرملة تدعوها فيه إلى زيارتها لشأن خطير، وكانت تعلم أنها تقيم في منزل مجاور لشاروبيم، فطار فؤادها سرورا وأسرعت فركبت مركبتها وانطلقت إلى منزل تلك الأرملة.
ولما خلت بها أخبرتها الأرملة على سبيل الاتفاق أن شابا منزله تحت منزلها أتي به أمس محمولا على الأكف، لإصابته بجرح بالغ على إثر مبارزة.
فصاحت المركيزة صيحة رعب وسقطت مغميا عليها، فأسرعت الأرملة بقرع الجرس، وعند ذلك دخل الخادم وهو من صنائع أندريا، فلما رأى المركيزة مغميا عليها، نظر إلى الأرملة متبسما وقال: وقع الطير في الشرك. - أوشك أن يقع، فإنه بدأ يلتقط الحب.
وكانت هذه الأرملة في عداد الذين وقعوا في فخاخ أندريا، فباتت يده العاملة في غواية المركيزة لطمعها بزواج الدوق الشيخ، وكان خادمها يحمل إليها أوامر أندريا فتصنع بها مكرهة مضطرة؛ لأنه كان لديه أدلة تثبت حبها لأحد أعضاء الجمعية السرية، ورسائل إليه بخطها إذا وقعت بأيدي الدوق نفر منها وقذف بها إلى الحضيض. فلما صحت المركيزة من إغمائها هشت لها الأرملة وأظهرت لها أنها واقفة على سر غرامها وقالت: خففي عنك أيتها الحبيبة، فإن جرحه لا خطر فيه، وهو سيبرأ في زمن قريب.
فظهرت علائم السرور بين ثنايا وجهها، ثم تجهم جبينها وعبق خداها بحمرة الخجل حين علمت أنها باحت بشيء من سرها، وأرخت عينيها إلى الأرض كالمذنب النادم وهي تقول: رباه ماذا صنعت؟
فأخذت الأرملة يدها وقالت: لقد كنت لي صديقة، أفلا تريدين أن أكون لك أختا؟
ثم جعلت تهون عليها الخطوب، وتستدرجها إلى الإباحة بغرامها حتى بلغت منها ما تريد، وبعد حين خرجت المركيزة عائدة إلى قصرها، وقد فتحت لها الأرملة هوة الشقاء.
Bog aan la aqoon