أضف إِلَى مَا سبق من لَوَازِم نزعات الْفِكر ونزعات الْأَهْوَاء شعورا هُوَ ألصق بالغريزة البشرية واشد لُزُوما لَهَا كل إِنْسَان مهما علا فكره وقوى عقله أَو ضعفت فطنته وانحطت فطرته يجد نَفسه أَنه مغلوب لقُوَّة أرفع من قوته وَقُوَّة مَا أنس مِنْهُ الْغَلَبَة عَلَيْهِ مِمَّا حوله وَأَنه مَحْكُوم بِإِرَادَة تصرفه وَتصرف مَا هُوَ فِيهِ من العوالم فى وُجُوه قد لَا تعرفها معرفَة العارفين وَلَا نتطرف إِلَيْهَا إِرَادَة المختارين تشعر كل نفس أَنَّهَا مسوقة لمعْرِفَة تِلْكَ الْقُوَّة الْعُظْمَى فتطلبها من حسها تَارَة وَمن عقلهَا أُخْرَى وَلَا سَبِيل لَهَا إِلَّا الطَّرِيق الَّتِى حددت لنوعها وهى طَرِيق النّظر فَذهب كل فى طلبَهَا وَرَاء رائد الْفِكر فَمنهمْ من ناولها بِبَعْض الْحَيَوَانَات لِكَثْرَة نَفعهَا أَو شدَّة ضررها وَمِنْهُم من تمثلت لَهُ فى بعض الْكَوَاكِب لظُهُور أَثَرهَا وَمِنْهُم من حَجَبته الْأَشْجَار والأحجار لاعتبارات لَهُ فِيهَا وَمِنْهُم من تبدت لَهُ آثَار قوى مُخْتَلفَة فى أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة تتماثل فى أَفْرَاد كل نوع وتتخالف بتخالف الْأَنْوَاع فَجعل لكل نوع إِلَهًا وَلَكِن كلما رق الوجدان ولطفت الأذهان ونفذت البصائر ارْتَفع الْفِكر وجلت النتائج فوصل من بلغ بِهِ علمه بعض الْمنَازل من ذَلِك إِلَى معرفَة هَذِه الْقُدْرَة الباهرة واهتدى إِلَى أَنَّهَا قدرَة وَاجِب الْوُجُود غير أَن من أسرار الجبروت مَا غمض عَلَيْهِ فَلم يسلم من الْخَيط فِيهِ ثمَّ لم يكن لَهُ من الميزة الفائقة فى قومه مَا يحملهم على الاهتداء بهديه فبقى الْخلاف ذائعا والرشد ضائعا انفق النَّاس فى الإذعان لما فاق قدرهم وَعلا متناول استطاعتهم لكِنهمْ اخْتلفُوا فى فهم مَا تلجئهم الْفطْرَة إِلَى الإذعان لَهُ اخْتِلَافا كَانَ اشد أثرا فى التقاطع بَينهم وإثارة أعاصير الشقاق فيهم من اخْتلَافهمْ فى فهم النافع والضار لغَلَبَة الشَّهَوَات عَلَيْهِم
إِن كَانَ الْإِنْسَان قد فطر على أَن يعِيش فى جملَة وَلم يمنح مَعَ تِلْكَ الْفطْرَة مَا منحه النَّحْل وَبَعض أَفْرَاد النَّمْل مثلا من الإلهام الهادى إِلَى مَا يلْزم لذَلِك وَإِنَّمَا ترك إِلَى فكره يتَصَرَّف بِهِ على نَحْو مَا سبق كَمَا فطر على الشُّعُور بقاهر تنساق نَفسه بالرغم عَنْهَا إِلَى مَعْرفَته وَلم يفض عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك الشُّعُور عرفانه بِذَات ذَلِك القاهر وَلَا صِفَاته وَإِنَّمَا ألْقى بِهِ فى مطارح النّظر تحمله الأفكار فى مجاريها وترمى
1 / 55