196

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Noocyada

وفيه نبين أن اللاهوت ليس خادما للعقل وأن العقل ليس خادما للاهوت، السبب الذي يدفعنا إلى التسليم بسلطة الكتاب المقدس.

1 ***

تدور مناقشة بين من يفرقون بين الفلسفة واللاهوت حول مسألة ما إذا كان الكتاب ينبغي أن يكون خادما للعقل، أم العقل خادم للكتاب؛ أي هل يجب إخضاع معنى الكتاب للعقل أم إخضاع العقل للكتاب؟ إن الموقف الأخير هو موقف الشكاك الذين ينكرون يقين العقل، أما الموقف الأول فهو موقف القطعيين. وقد اتضح من عرضنا السابق أن كلا النظريتين مخطئة أشد الخطأ، فتبعا لوجهة النظر التي نأخذ بها، وهل هي الأولى أو الثانية، يصبح العقل أو الكتاب فاسدا بالضرورة. والواقع أننا قد بينا بالعقل أن الكتاب لا يعلم الفلسفة بل يدعو إلى التقوى وحدها، كما بينا أن مضمونه كله مهيأ على قدر فهم العامة وأحكامهم المسبقة. وإذن فمن يريد إخضاع الكتاب للفلسفة فإنه ينسب بخياله إلى الأنبياء أفكارا لم تخطر ببالهم حتى في الحلم، ويسيء تأويل فكرهم، وعلى العكس من ذلك، فإن من يجعل العقل والفلسفة خادمين للاهوت، يضطر إلى قبول الأحكام المسبقة للعامة في العصور الماضية على أنها أمور إلهية، بحيث تطغى هذه الأحكام المسبقة على ذهنه وتعميه كلية؛ وعلى ذلك، فإن كليهما يهذي: الأول بدون العقل، والثاني بالعقل. ولقد كان أول من ادعى، من بين الفريسيين، وجوب إخضاع الكتاب للعقل هو ابن ميمون،

2 (وقد لخصنا موقفه في الفصل السابع ودحضناه بحجج عديدة). ومع ما يكن الفريسيون لهذا المؤلف من احترام بالغ، فإن جمهورهم خالفه في هذا الموضوع، واتبع رأي يهوذا الفخار

3

الذي أراد أن يتجنب خطأ ابن ميمون فوقع في الخطأ المضاد،

4

وهو ضرورة نزول العقل على حكم الكتاب وخضوعه له كلية.

5 ⋆

فقد رأى أنه لا ينبغي تفسير أي فقرة من الكتاب تفسيرا مجازيا (كما يفعل البعض) بدعوى أن المعنى الحرفي مناقض للعقل، بل إن هذا التفسير لا يجوز إلا حين يتناقض هذا المعنى مع الكتاب ذاته، أي مع العقائد التي يدعو إليها بوضوح. وهكذا صاغ هذه القاعدة الشاملة: «كل ما يدعو له الكتاب بطريقة قطعية،

Bog aan la aqoon