184

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Noocyada

تنبأ فيما بعد بأن زمانا سيأتي يسطر الله فيه الشريعة في قلوبهم. وإذن فاليهود وحدهم، ولا سيما الصدوقيين منهم،

6

هم الذين كان عليهم أن يكافحوا من أجل قانون مكتوب على ألواح، أما من كانوا يملكونه مدونا في قلوبهم فلم يكن عليهم أن يفعلوا شيئا من هذا، فمن يأخذ ذلك في اعتباره لن يجد في الفصول السابقة شيئا مناقضا أو مكذبا لكلام الله أي للدين الحق وللإيمان، بل على العكس سيرى أننا نوطد دعائمه، كما بينا أيضا في نهاية الفصل العاشر. ولو لم يكن ما أقول صحيحا لكنت قد قررت التزام الصمت في جميع هذه الموضوعات، ولسلمت راضيا، لكي أتجنب جميع المشكلات، بأن هناك أسرارا عميقة مخبأة في الكتب المقدسة. ولكن لما كانت قد نشأت خرافات لا يمكن قبولها من هذه الأسرار الكاذبة، التي هي مصدر كل الشرور الخطرة الأخرى التي تحدثت عنها في مقدمة الفصل السابع، فقد رأيت أن من واجبي ألا أتخلى عن فحص هذه المسائل، خاصة وأن الدين لا يحتاج إلى محسنات من الخرافة، بل على العكس تضيع روعته لو زيناه بمثل هذه الأوهام. ولكن قد يعترض بأنه على الرغم من أن القانون الإلهي مسطور في القلوب، فإن هذا لا يمنع من أن يظل الكتاب كلام الله، ومن ثم فلا يحق لأحد أن يقول عن الكتاب إنه منقوص ومحرف، تماما كما لا يحق لأحد أن يقول ذلك عن كلام الله. ولكني على العكس أخشى أن يؤدي التطرف في التقديس إلى تحويل الدين إلى خرافة، وأن ينصرف الناس إلى عبادة التماثيل والصور، أي الورق المسود، بدلا من كلام الله. وإني لأعلم أنني لم أقل شيئا ينال من الكتاب أو من كلام الله، لأني لم أعرض شيئا لم أبرهن على صحته ببراهين واضحة للغاية؛ ولهذا السبب أيضا أستطيع أن أؤكد واثقا أني لم أقل شيئا فيه كفر أو يشتم منه رائحة الكفر. وإني لأعترف بأن بعض الذين يعدون الدين عبثا ثقيلا عليهم، قد يستخلصون من هذه الرسالة ما يبيح لهم ارتكاب الإثم دون ما سبب سوى سعيهم وراء اللذات، وينتهون منها إلى أن الكتاب برمته معيب ومحرف، وبالتالي فلا سلطة له. وأنا لا أستطيع شيئا حيال هذه المساوئ، نظرا إلى هذه الحقيقة المعروفة وهي أنه يستحيل على الإنسان أن يقول شيئا يبلغ من الصواب حدا يستحيل معه تشويهه أو إساءة تأويله. ومن يريد السعي وراء اللذات يسهل عليه إيجاد المبررات لذلك، بل إن من كانوا، في الزمان الغابر، يملكون الأصول وتابوت العهد، بل كان بينهم الأنبياء والحواريون، لم يكونوا أفضل ولا أكثر طاعة، بل ظلوا جميعا - يهودا وغير يهود - على ما هم عليه، وظلت الفضيلة نادرة للغاية في كل عصر . ومع ذلك، فإن من واجبي، لكي أزيل أي تحرج أن أبين هنا أولا بأي معنى يقال عن الكتاب، أو عن أي شيء آخر ليس له صوت، إنه مقدس أو إلهي، وثانيا ما هو كلام الله حقيقة، وإنه لا يوجد في عدد معين من الأسفار، وأخيرا نبين أن الكتاب من حيث إنه يدعو إلى ما هو ضروري للطاعة والخلاص، لم يكن من الممكن أن يحرف، وبذلك يسهل على المرء الحكم بأننا لم نقل شيئا مناقضا لكلام الله، وأننا مبرءون من كل كفر.

يطلق اسم «مقدس» و«إلهي» على كل ما يؤدي إلى التقوى وإلى الدين،

7

ولا يظل الشيء مقدسا إلا إذا استمر الناس في استخدامه على نحو ديني، فإذا لم يعودوا أتقياء، ضاعت قدسية ما كان مقدسا من قبل، فمثلا أطلق البطريق يعقوب على مكان ما اسم «مسكن الله» لأنه عبد الله الذي أوحى إليه في هذا المكان. أما الأنبياء فقد أطلقوا على المكان نفسه اسم «مسكن الطغيان» (انظر عاموس، 5: 5، هوشع، 10: 5)

8

لأن الإسرائيليين اعتادوا، تنفيذا لمشيئة ياربعام، على التضحية فيه للأوثان. وهناك مثل آخر يوضح هذه المسألة تماما، وهو أن الكلمات لا تدل على معان مضبوطة إلا في الاستعمال، فإذا كانت في هذا الاستعمال قادرة على أن تحث من يقرءونها على التقوى، أصبحت هذه الكلمات مقدسة، وأصبح الكتاب الذي نظمت فيه هذه الكلمات مقدسا، أما إذا حدث بعد ذلك أن بطل الاستعمال إلى حد أن الكلمات لا يعود لها أي مدلول، أو أهمل الكتاب إهمالا تاما، إما لخبث البشر أو لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون به، عندئذ تضيع فائدة الكلمات والكتاب معا، ولا تعود لهما أية قداسة. وأخيرا، إذا اختلف مدلول الكلمات، أو شاع استعمالها بمدلولات مضادة، تصبح الكلمات، وكذلك الكتاب، اللذين كانا مقدسين من قبل، دنسين لا قدسية فيهما. نستنتج من ذلك أنه لا يوجد شيء على الإطلاق مقدس أو دنس لا قدسية فيه خارج الفكر، بل إنه لا يكون كذلك إلا بالنسبة إلى الفكر، وهذا ما يمكن البرهنة عليه بوضوح تام بنصوص عديدة من الكتاب. وسأعطي لذلك مثلا أو مثلين، يقول إرميا (7: 4)

9

إن يهود زمانه قد أطلقوا بطلانا على معبد سليمان اسم معبد الله، ثم يعلل ذلك في الإصحاح نفسه بقوله: إن اسم الله لا يمكن أن يرتبط بهذا المعبد إلا إذا كان الناس الذين يؤمونه يمجدون الله ويدافعون عن العدالة، فإذا أمه القتلة واللصوص وعبدة الأوثان وسائر المجرمين، يصبح حينئذ مأوى للأشرار. وكثيرا ما لحظت مدهشا أن الكتاب لا يذكر شيئا عن مصير تابوت العهد، والأمر المؤكد أنه هدم أو حرق مع المعبد، مع أنه كان أعظم المقدسات وأكثرها تبجيلا لدى العبرانيين؛ ولهذا السبب نفسه لا يكون الكتاب مقدسا، ولا تكون نصوصه إلهية، إلا بقدر ما يحث الناس على تقوى الله، فإن تخلوا كلية عن هذه التقوى، كما تخلى عنها اليهود من قبل، أصبح حبرا على ورق أو ضاعت قدسيته كلية، وأصبح معرضا للتحريف، بحيث إنه لو حرف أو فقد، لكان من الخطأ أن يقال إن كلام الله قد حرف أو فقد، وبالمثل كان من الخطأ أن يقال في زمان إرميا: لقد التهمت النيران

Bog aan la aqoon