92

أزورها لغرضين في وقت واحد: أن أشهد التمثيل بفرقة «سلامة حجازي»، وأن أبحث عن الكتب التي لا تصل مع الباعة المتجولين إلى الأقاليم.

وفي مرة من هذه المرات، قصدت إلى حي الفجالة لأسأل عن كتاب ما - أي كتاب - في فلسفة الجمال.

ولم أكن أعرف باسم الكتاب الذي أبحث عنه لأنه - كما ظهر لي بعد ذلك - لم يوجد من قبل باللغة العربية، ولم يوجد إلى اليوم. وإنما كنت أتصفح فصول الأديب الخطيب الإنجليزي «إدمون بيرك» عن الجليل والجميل، فخطر لي أن مثل هذا المبحث لا بد أن يكون مطروقا باللغة العربية، وكان اعتقادي في كتابنا المحدثين منذ أواسط القرن التاسع عشر كاعتقاد أجدادنا في الأوائل إذ يقولون: ما ترك الأول شيئا للآخر. فإذا كانت اللغة الإنجليزية قد اشتملت على بحث في فلسفة الجليل والجميل، فأكبر الظن أن كتابنا المترجمين لم تفتهم ترجمة بحث من هذه البحوث.

ودخلت المكتبة فوجدت على شمال المنضدة المعدة لعرض الكتب رجلين يجلسان على كرسيين متجاورين: أحدهما مطربش والآخر معمم، وطرق مسمعي اسم السيد «توفيق» و«صهاريج اللؤلؤ»، فسمعت الرجل المطربش يقول لمحادثه المعمم: إن السيد «توفيق» قد عاد بالنثر العربي خمسمائة سنة إلى الوراء.

وسألت البائع: هل يوجد عندكم كتاب في فلسفة الجمال؟

قال مستغربا: فلسفة ماذا؟!

فأعدت قولي بلهجة التوكيد: فلسفة الجمال!

والتفت الرجل المطربش إلى هذا الحوار، فنظر نظرة استفهام إلى البائع، فأجابه هذا: إن الأفندي يسأل عن كتاب في فلسفة الجمال!

فتمهل الرجل المطربش، ثم قال: ما أظن كتابا في هذا الموضوع قد ألف باللغة العربية. ثم سألني: هل رأيت الكتاب المطلوب وعرفت اسمه، أو اسم مؤلفه؟!

قلت: كلا، ولكني رأيت شيئا في بحث الجليل والجميل بالإنجليزية فخطر لي أن البحث مطروق بلغتنا.

Bog aan la aqoon