119

ولقد كان يستطيب «القفش الحلو» كما سماه في بعض مقالاته، ولكنه لم يكن سريعا إلى «لقط» النكتة، ولم تكن له تلك الضحكة العميقة التي تملأ الأفواه كما تملأ الصدور، وقد يشترك المجلس كله في الضحك ولا يشاركهم فيه، فيحيل الخطأ على نفسه ويقول معتذرا: لا مؤاخذة! إنني بطيء في فهم النكتة!

ومما أذكره نماذج شتى من النكات «البلدية» التي كانت تضحك جلساءه ولا تضحكه، ومنها حديث أطرفنا به الأستاذ «عبد الوهاب خلاف» - رحمه الله - عن صاحب له ولنا من الشيوخ المعممين الملتحين الذين لا يعطون المشيخة ولا اللحية كل حقهما من التزمت والحشمة، وكانت مناسبة الحديث «دردشة» عارضة - على حد تعبير رئيسنا - فيما يقال قبل انعقاد جلسات اللجان الخاصة بالمباحث اللغوية في موضوع من الموضوعات، وكان موضوع الجلسة تعريب المصطلحات الموسيقية أو تهذيبها.

وقال الأستاذ «عبد الوهاب» عن ذلك الشيخ المرح إنه شوهد وهو يتأبط ذراع الموسيقي المعروف «سامي الشوا» فسئل: ما الذي يجمع هذا على ذاك؟ وما الذي يقرن بين زمرة الأولياء وزمرة الطرب والغناء؟

قال الشيخ غير متلعثم: ولم لا؟ هذا شيخ «كمان»!

وشوهد الشيخ في إحدى سهراته وأمامه كأس من الوسكي، فسأله الزائر الطارئ مستنكرا: أما تستحي لهذه العمامة فوق هذه اللحية التي وخطها الشيب؟!

فقال كذلك غير متلعثم: وماله، هذه أيضا «بلاك آند هوايت!»

وكان يقول للمازحين من أصحابه كلما ذكروه بوقار اللحية: إنها لا تربيني، أنا الذي أربيها!

وقد كان الرئيس - خلال هذه الدردشة - يبتسم ولا يضحك، ويعود فيلقي اللوم على تقصيره هو في هذا المجال.

وعلينا أن ننصفه من نفسه في هذا اللوم؛ لأن النكتة الجناسية في الواقع ليست من أجود النكات ولا من أصدق ألوان الفكاهة، وليس بالمستغرب من العقل المنطقي ولا من صاحب القلم الحريص على «ألفاظ الخصوص» ألا يأنس إلى لعب الجناس «اللفظي»، وألا يشغل باله بعد استيفاء شروط العقل بحواشي المشابهات في الآذان، وقد مرت بنا فيما نقلناه من تقريظه لأسلوب «المنفلوطي» كلمة من الكلمات الجناسية يتحاشاها في مكانها من يلقي باله إلى مشابهاتها، ولكنها لم تكن مما يتحاشاه «أرسطو المصري» في لغة الجد والتحقيق.

إنه يقول عن كتاب الخصوص:

Bog aan la aqoon