والمساواة والخصوص في هذا السياق كلمتان من تعبيرات «لطفي السيد»، لم يكن معناهما غنيا عن التفسير عند استخدامهما للمعنى الذي أراده؛ فقد أراد بالمساواة أن تكون العبارة اللفظية مساوية للغرض الفكري الذي تؤديه، وأراد بالخصوص أن يكون اللفظ على قدر معناه، أو يكون باصطلاح العرف الحديث كثوب «التفصيل»، وليس كالثوب المجهز لكل لابس على التقريب بعد القص والتوسيع، وقد يصح أن يقال عن أسلوب المساواة والخصوص إنه هو أسلوب «القصد» بمعنييه: معنى الاقتصاد ومعنى الإرادة؛ لأن أسلوب القصد هو الأسلوب المحكم الذي لا فضول فيه، وهو الأسلوب الذي يؤدي به الكاتب لفظه؛ لأنه يقصده بذاته وفاقا لغرضه ولا يقصد غرضا سواه، ولولا أن كلمة القصد أقرب إلى الإحكام والتقدير منها إلى التسوية والتنسيق، لكان فيها الغنى عن كلمتي المساواة والخصوص.
والتفات «لطفي السيد» إلى هذه «الخاصة» في الأسلوب الإنشائي لم يكن بالأمر الغريب من كاتب «القصد المحكم» في اللفظ والمعنى؛ لأن تحديد ما يريد بالكلمة كان هو طبيعة عقله الغالبة على تفكيره وتعبيره، بل على تقديره للأمور وتقديره للأعمال، فلم يكن للعمل عنده شأن أكبر من شأن المطابقة للكلمة والمطابقة للفكرة التي تدل عليها، وكانت حياته لفكرته هي الحياة الأولى التي تتلوها بعد ذلك كل حياة عملية تعنيه.
وكانت مرانة عقله على تحديد عباراته تشغله للتسلية والرياضة كما تشغله للجد والتدبير، كأنه الجبار الرياضي الذي يداعب صحبه بالضغط على أكفهم عند المصافحة أو بالشد على ظهورهم عند المعانقة، يوهمهم أنها ملاكمة ومصارعة وليست بمصافحة وعناق، وكذلك كان «لطفي السيد» يصنع بتحديد معاني الألفاظ كلما طابت له الدعابة مع صاحب أو زميل، بين يدي عمل من أعمال الفكر والنظر أو أعمال الإدارة والتنفيذ.
دخل إلى مكتبه بوزارة الداخلية وكيل الوزارة يتأبط ملفات الحركة الإدارية فبادره قائلا: ماذا تتأبط يا حسن؟ خيرا؟!
قال حسن: نعم خير إن شاء «الله»، الحركة الإدارية!
قال «لطفي السيد» متجاهلا: حركة؟ وهل هذه حركة في الزمان أو في المكان؟
ربما كان الكلام على حركة الزمان والمكان أول كلام من نوعه ورد على مسمع وكيل الداخلية الحائر في أمره بين يدي هذا الفيلسوف الوزير، فعاد يقول: بل هي حركة التنقلات بين المديرين ووكلاء المديريات والمأمورين وموظفي الإدارة على العموم.
قال الفيلسوف: وهل هي حركة بغير مقتض؟ ولماذا يتحركون؟ هل طلبوا منك أن تحركهم؟
ثم انقضت هذه المحادثة كما شاء الوكيل أن يقضيها، وكانت فكاهة الليلة في مجلس رئيس الوزراء «محمد محمود»! •••
وعاد إلى مصر مع ثلاثة أعضاء من «الوفد» لمراجعة الأمة في المقترحات البريطانية، فقابله الصحفيون على الميناء وسأله أحدهم: هل أنتم قادمون بمهمة سياسية؟ فكان جواب الصحفي القديم على الصحفي الناشئ: ماذا تعني بالسياسة: دبلوماسية أو بوليتيقية؟
Bog aan la aqoon