107

فقال لطفي: «ويجرى إيه؟!»

وعاد «عبد العزيز» يكرر الحديث عن نظرة الأرباب وصديقه يكاد يهم بالتأفف من هذا التكرار، حتى قال متأثرا: ألا ترى أنك تسخر مني بهذا الحديث عن الأرباب والنظرات الكونية؟

فأسرع «عبد العزيز» يرد على صديقه بلهجة جافة، كلهجة الدائن الذي يخاطب المدين المماطل: ما هذا التجني يا أخي؟!

فصرف لطفي موضوع هذه المناقشة قائلا: ليكن حديث أرباب، دع الأرباب هي التي تحتج عليك هذه المرة!

معركة ولي العهد

وأشهد أنني ما عرفت خليقة الحلم في «لطفي السيد»، ولا فضل هذا الحلم في دوام الصداقة بينه وبين أصدقائه وأخصهم «عبد العزيز فهمي»، إلا من أمثال هذه المساجلات التي تنتهي بالجفاء في الخطاب، وقد اشتد بعضها حتى بلغ من الشدة أن «يقفل» «عبد العزيز فهمي» التليفون في وجه صديقه، على أثر محادثة سريعة كان موضوعها أيضا ذلك الموضوع الشائك عن الحروف اللاتينية.

روت إحدى الصحف عن الأمير «محمد علي توفيق» أنه يستنكر الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية، فثارت عليه ثائرة «عبد العزيز فهمي»، وبسط لسانه فيه بكلام حاد على مسمع من أعضاء نادي «محمد علي»، وقد كان الأمير «محمد علي» رئيسه يومذاك، وكان أيسر ما قال في تلك الحملة خطابه لسامعيه وهم يجتهدون في تهدئته: أتحسبون أنني لا أحترم الأمير «محمد علي»؟ أتحسبون أنه حين يتكلم عن الكتابة بألفاظه الفصيحة «كخذروف الوليد» يستحق مني غير الاحترام؟ كلا، إنني مطالب باحترام ولي العهد بحكم الدستور!

ثم خرج من النادي توا إلى قصر عابدين فكتب اسمه في دفتر التشريفات، وجعل مناسبة هذه الكلمات في غير موعد من مواعيد التهنئة أو المعايدة: أنه يسأل الله أن يرزق الملك ولي عهد رشيدا تقر به عيناه!

وسمع «لطفي السيد» بهذه الجملة، فخاطبه تليفونيا ليرجوه أن يترك الأمير وشأنه على الأقل في أحاديث النادي، فوضع «عبد العزيز» سماعة التليفون بعنف شديد ولم يعتذر من هذا المسلك مع صديقه إلا بعد أيام، وإن كان على هذا في سائر أحواله عظيم الإكبار له عظيم الثناء عليه. •••

ولا شك أن كلام القاضي الكبير عن نظرات صديقه الكونية لم يخل من أسلوب الدعاية التي تبيح بعض المبالغة، ولكنها - بعد السماح للمبالغة بحصتها في وصف هذه النظرات - لم تخل من العدل في تقرير الواقع إلى حد محدود.

Bog aan la aqoon