و«إسماعيل صبري» وأسلوب الشاعر الذي يعلم أن حق الغزل الصريح أولى بالرعاية من حق الكناية والتلميح، وهو الذي كان يكتب الأبيات قبل يوم الزيارة مستئذنا في الحضور:
إن لم أمتع بمي ناظري غدا
لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء
و«أحمد شوقي» وأسلوب الإيماء من بعيد، وعليه تعليق الفيلسوف المعجب بالطرفين!
تتألف لجنة من لجان المحافل الثقافية، فيخرج «شوقي» من صمته مرة واحدة ليشترط أن تكون «مي» سكرتيرة اللجنة، وإلا فلا احتفال.
ويدركه «لطفي السيد» ليسأل: أهذ اقتراح شعري أو اقتراح في النظام؟!
وغير ذلك من الأساليب كثير على كل لون، ومن كل طراز، ولكنها كلها أساليب التهذيب واللباقة التي تناسب الزوار وصاحبة الدار.
وبين الزائرين الذين كانت لهم زلفى الرعاية الطويلة «إدريس راغب» رئيس المحافل الماسونية إلى عهد الملك «أحمد فؤاد»، ولم تكن «مي» من أعضاء المحافل الماسونية على ما أعلم، ولكن «إدريس راغب» كان يملك مطبعة المحروسة وينزل لوالد «مي» «إلياس زيادة» عن حق إدارتها وإصدار الصحيفة منها، وكانت ل «إدريس راغب» هواية صحفية تمكنت منه على الخصوص بعد عزله عن وظائف الإدارة على أثر القضية المعروفة بقضية أرض المطرية بين الخديو «عباس» و«حسن موسى العقاد»، فاقتنى المطابع لإصدار الصحف الفرنسية والعربية، وخص والد «مي» بالإشراف على المطبعة العربية دون أن يقيده بسياسة يمليها عليه، وكانت زيارته لندوة «مي» أشبه بالزيارات العائلية كلما اصطحب معه إحدى كريماته الفضليات، وإن أبت عليهم محافظة الأسرة أن يجلسن مع الزوار، فإذا حضر منفردا عرفنا ذلك من سؤال «مي» عن آل بيته السيدات، ومن جوابه بالاعتذار عنهن، أو دعوتها إلى زيارتهن في موعد قريب.
وكانت الآنسة «مي» حريصة على تقاليد العرف في الصالونات العائلية إلى حد التكلف، فهي تعقد ندوتها الأسبوعية للأدب والأدباء، ولكنها لا تنسى برنامج الصالون المصطلح عليه في البيوت، ولا تحب أن يظن الزوار العائليون أن أدبها ينسيها تقاليد «ربة الصالون» في مجتمع الأسرة، وأن مادة الثرثرة الاجتماعية «نمرة» منتظرة في كل صالون يحضره أناس من أصدقائها الأدباء، الذين تعرفهم معرفة عائلية وتقابل زوجاتهم وأخواتهم في بيوتهم وفي ندوتها، وقد كان يلوح لي غير مرة أنها كانت تنتظر من أولئك الزوار العائليين خبرا أو أخبارا عما يجري فيه الحديث بينهم في شئون الزواج والطلاق والخلاف والوفاق، وتعقب عليه بملاحظة عابرة أو نكتة فكهة، إلا أن يكون فيه شيء من المساس الصريح بالأخلاق المرعية، فهي في هذه الحالة تتابعه بالصمت أو تصرفه بكلمة عابرة.
قال أحد الحاضرين يوما: أسمعتم أن الأستاذ «حافظ رمضان» قد تقدم لطلب الزواج من السيدة «هدى شعراوي»؟
Bog aan la aqoon