لكني أرى قرص الشمس في وسط السماء، الصوت يعلن أننا سنهبط في مطار نيويورك بعد دقائق وأن الساعة الواحدة بعد الظهر.
التفت أصابعي حول مسمار الساعة لأحرك العقارب إلى الوراء سبع ساعات، هل درت حول الأرض وأصبحت الآن فوق النصف الآخر من الكرة الأرضية؟ •••
في كل رحلة جديدة يشتغل خيالي، وتتأرجح رغبة الاكتشاف، ولكن حين أطأ بقدمي على الأرض الجديدة تنطفئ الجذوة وتتبدد النشوة، هل كنت أتوقع أرضا غير الأرض؟ أو ناسا غير الناس؟
قدماي تدبان على الأرض، وأختبر بكعب حذائي صلابتها، ملمسها تحت قدمي كالنصف الأول من الكرة الأرضية، والهواء ساخن رطب يشبه هواء مصر في الصيف.
عيناي تدوران حولي، تفتشان بين وجوه الناس عن وجه غريب لونه أحمر وعلى رأسه الريش، أكنت أبحث عن الهنود الحمر!
مطار نيويورك ضخم، يشبه مطار باريس وأكثر ضخامة، زحام وناس من مختلف الأشكال والألوان، بيض وسود وسمر ومن ذوي الملامح اليابانية والصينية، امرأة سوداء سمينة الردفين ترتدي قبعة عليها ريشة حمراء، وحذاء أحمر لامع تطرقع على الأرض بخطوات بطيئة، إلى جوارها فتاة بيضاء نحيفة بلا ردفين داخل بنطلون ضيق أخضر وحذاء كاوتش تجري وشعرها الأصفر يتطاير، رجل أبيض جالس على مقعد يشرب من علبة كوكولا حمراء، شعره أصفر منكوش، يرتدي قميصا رسمت عليه قطط زرقاء وصفراء، ياقة القميص مثبتة بزراير صغيرة من الأمام، رجلان قصيران سمينان ملامحهما يابانية يجريان وكل منهما يمسك في يده حقيبة جلدية سوداء، طفلة سوداء تجري وترفع ذراعها إلى أعلى وفي يدها كوب كرتون مليء بالآيس كريم، رجل صيني يهرش في رأسه وسرواله طويل يلامس الأرض. جريت مع الناس إلى باب طائرة الهليكوبتر، دارت محركات الطائرة بسرعة وارتفعت في الجو دون أن يغلق الباب، عمارات نيويورك الشاهقة تلامس السحاب، وبينها عدد من البحيرات والأنهار، الطائرة تسير بين قمم العمارات، وفي كل اهتزازة أمسك في المقعد أمامي، الركاب الآخرون جالسون في مقاعدهم يقرءون الصحف وكأنهم في الأتوبيس.
هبطت الهليكوبتر بعد دقائق، وسمعت صوت فرامل عجلاتها، ثم توقفت فجأة واندفع الناس من الباب، اندفعت معهم، واتجهت نحو طائرة متجهة إلى الجنوب، أربع ساعات من التحليق ثم سمعت صوت المضيفة يعلن أننا سنهبط في «رالي»، الهواء راكد ساخن، أشد سخونة من هواء القاهرة في أغسطس، والرطوبة مرتفعة، العرق أحسه تحت ملابسي، وشعري التصق برأسي، كفاي مبللان والحقيبة تنزلق من يدي، أسرعت إلى أقرب تاكسي وقلت له: إلى المدينة الجامعية، السائق أبيض البشرة، يتكلم الإنجليزية بطريقة غريبة لا أفهمها، ينطق نصف الكلمات فقط، ويبتلع النصف الثاني. لا يفتح فمه وهو يتكلم، وكأن الحروف تخرج من أنفه.
وسألني: من أي بلد أنت؟
وقلت: من مصر.
وصاح بدهشة: أوهوه!
Bog aan la aqoon