هذا الاتفاق لم يدم طويلا ، ذلك أنه كان في وسط المدينة قلعة تعرف ب «حوش الباشا» (1) ( Aushel Basha ) أو ديوان الباشا. وقد بناها الترك. ولما كانت الحامية من الترك ، والأهلون من العرب الذين لم يطيقوا التحكم بهم. فإن هؤلاء العرب كثيرا ما نازعوا الترك ، وبلغ بهم الأمر إلى الضرب ، فيبادر عرب البادية إلى نجدة الأهلين ، ومحاصرة الباشا في القلعة. وأخيرا لما لم يمكن عقد اتفاق مثل هذا ، لما يتوقع من انتهاز أحد الطرفين المتعاقدين الفرصة لنقضه ، فإن علي باشا (2) الذي كثرت المنازعات والثورات في زمنه فأتعبته وأرهقته ، قرر التخلص من هذا العبء ، فباع حكومته بألف قرش (3) لنبيل من أغنياء البلد. فعمد هذا من فوره إلى تجنيد عدد كاف من الرجال ليخشاه أهل البلد. ان هذا الرجل العظيم يسمى افراسياب باشا ( Efrasiabs ) وهو جد حسين باشا الذي كان حاكما لما مررت بها قبلا. لقد خلع افراسياب عنه النير التركي ، ولقب نفسه بأمير البصرة. أما الباشا الذي باع حكومته ، فإنه ما كاد يبلغ القسطنطينية حتى شنق. وبعد استيلاء مراد على بغداد ، كان أمير البصرة يسره أن يتحفه دائما بالهدايا والألطاف ، وخصوصا بجياد الخيل التي تشتهر بها تلك البقعة. وعند ما استولى الشاه عباس الكبير على مدينة هرمز ، أرسل جيشا قويا بقيادة إمام قولي خان ، حاكم شيراز ، للاستيلاء على البصرة. ولما وجد الأمير نفسه أضعف من أن يقاوم هذه القوة الكبيرة ، اتفق مع عرب البادية على كسر السد الذي يحجز ماء البحر. فلما فعلوا ذلك طغى ماء البحر وأغرق ما مسافته خمسة عشر فرسخا إلى البصرة بل أربعة فراسخ مما وراءها. فاضطر الفرس الذين أحدق بهم الماء ، وكان بلغهم خبر وفاة الشاه عباس ، إلى رفع الحصار. ومنذ هذا الغرق ، أصبحت أراض وبساتين واسعة مغمورة بكليتها ، أو ذات إنتاج زراعي ضئيل ، للأملاح التي خلفها ماء البحر وراءه بعد انحساره عنها.
Bogga 71