ويبدو أنه كان عند هذه الخرائب مدينة كبيرة (1)، يقتلع منها العرب الآجر ويبيعونه في البصرة. وتبعد مدينة البصرة نصف فرسخ عن الفرات الذي يسميه العرب بلغتهم «شط العرب». وقد مد أهل المدينة قناة تذهب إليه ، طولها نصف فرسخ ، تسير فيها السفن من ذات المائة والخمسين طنا ، وفي آخرها قلعة ليس لسفينة ما أن تجتاز المكان دون إذن منها. ويبعد البحر عن البصرة نحو خمسة عشر فرسخا ، إلا أن المد يأتي إلى القناة ويعم النهر مسافة خمسة عشر فرسخا أخرى صعدا إلى ما وراء القرنة. والأرض هناك شديدة الانخفاض ، ولو لا السدود الممتدة بامتداد حافة البحر ، لتعرضت البقعة للغرق. ويبلغ طول السد أكثر من فرسخ ، وهو مشيد بالحجارة تشييدا مكينا ، لا تعمل فيه الأمواج الهائجة ، بالرغم من كونه معرضا لبحر صاخب.
ولم يمض على البصرة أكثر من مائة سنة مذ كانت تابعة لعرب البادية ، فلم يكن لها تجارة مع أمم أوروبا ، لأن أهلها كانوا قانعين بأكل تمورهم التي تتوفر عندهم بمقادير كبيرة ، وهم لا يتغذون بغيرها. وهذه الحالة في المعيشة سائدة على ما وصفنا في كلا ساحلي الخليج : فإذا سرنا من البصرة إلى نهر السند ( Indus ) وهي مسافة طولها ستمائة فرسخ ، أو إذا سرنا والساحل العربي إلى مسقط ، وجدنا فقراء الناس لا يعرفون ما هو أكل الرز ، بل يتعيشون بالتمر والسمك المملح المقدد بالهواء. والبقر عندهم لا تطعم عشبا ، وإذا خرجت إلى الحقول لا تجد من الأعشاب إلا الشيء الزهيد ، أو قد لا تجد شيئا منها. ولهذا ، فإن أصحابها صباح كل يوم ، قبل أن يخرجوها إلى الحقول ، وبعد أن يعودوا بها إلى الدار ، يطعمونها رؤوس السمك ونوى التمر المسلوقين معا.
وعندما اشتبك الترك في حرب مع العرب ، أخذوا منهم البصرة ، غير أن العرب لما كانوا يغيرون دوما على المدينة وينهبون ما تناله أيديهم من غنائم وأسلاب ، اضطر الترك إلى عقد اتفاق معهم ، كان للعرب بموجبه حرية التنقل في البادية إلى قيد فرسخ من المدينة ، وعلى أن تبقى المدينة للترك. غير أن
Bogga 70