206

قلت وكأنه جعل بلاد برقة كلها والجبل الأخضر منه لأن ارض برقة مرتفعة على ما يجاورها من بلاد فزان ونواحيها والبحر من الناحية الأخرى إلى العقبة الصغيرة وبينها وبين الإسكندرية خمس مراحل والظاهر ما ذكرنها أولا وهو الذي اقتصر عليه غيره فغرب هذا الجبل في كل البلاد بلاد مخصبة ذات أنهار وعيون وأشجار وقبلته صحراء ذات نخيل ورمال في البحر المحيط من أطراف السوس الأقصى إلى آخر برقة انتهى إلى أن قال وفي سفح هذا الجبل الذي يلي ساحل حامد مدينة عظيمة يقال لها مدينة لبدة قد خلت في العصور الأوائل وبقيت آثارها ورسومها قد أكل البحر كثيرا منها وفيها مبان عظيمة ، وهياكل جسيمة ، وأبراج مبنية بالحجر المنحوت في غاية الإتقان قد هرم الدهر وما هرمت ، وتعاقبت عليها الأزمنة وما ثملت ، فترى الأبنية مائلة متقابلة على رؤوس الجبال مد البصر بحيث يحكم الحدس إن كل ما كان داخلها كان مدينة واحدة إلى البحر وترى أعمدة الرخام وغيره واقفة في وسط البحر قد أحاط بها الماء بحيث لا يرتاب أن البحر قد أكل كثيرا منها. ومن هذه المدينة ينقل كثير من أعمدة الرخام إلى طرابلس وإلى مصر وإلى غيرهما من البلدان ويقال أن بانيها الملك دقيوس وبعد وفاته تملكتها امرأة اسمها رومية وبعضهم ذكر أن (دمشق ابن) النمرود لما بنى دمشق بقي ثلاث سنين وبعث ولده وأمره أن يبني مدينة بالمغرب فبنى هذه المدينة وجلب إليها الماء من وادي كعام في بناء متقن يحار الناظر فيه وأثر البناء وممر الماء باق إلى اليوم متصل من جوف (1) الوادي إلى أطراف المدينة إلا أن ماء هذا الوادي إلا قليل آجن ويزعم أهل البلد أن ماء هذا الوادي كان حلوا غزيرا أيام عمارة المدينة وكان مما يؤثر عند أهلها أنه إذا بدأت الملوحة في ماء الوادي فذلك علامة خرابها فلما بدت فيه الملوحة أخذ أهلها في الانتقال منها والله أعلم أنى ذلك كان.

Bogga 223