فحصلت بتوفيق الله تعالى ما حصلت من فوائدهم، وبركة صحبتهم ضمن ما حصلته من فوائد الفقهاء اليابسين ، من معرفة ما يجوز وما لا يجوز، فصار ذلك كالقالب الجسمي وهذا كالروح ، لكن كلاهما يابسان ، فقه يابس عن رطوبة الحديث ، ومقابلة النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام والأخلاق ، وحال يابس عن مقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقه مقابل لأئمة الفقه، وحال مقابل لأئمة التصوف والرسول صلى الله عليه وسلم له السكة والخطبة ، والحكم والتوجه إلى غيره ، فبقيت كالعائز الذي حصل أول الدرجات ولاحت له أعلاها وهو عائز بينهما من الدرج، فقنعت بذلك في الحالة الراهنة وتغذى قلبي بذلك من جوعه، فإن الجائع يتغذى بمهما كان قوتا.
فصل
فوقعت بعد ذلك بين طوائف صوفية الرسم، في الرباط، فوجدت قوما أهل سيماء ظاهرة، وسجادات وهيئة، وأشكال وذقون مسرحة، وشيء من الأنوار لائحة، فصحبتهم، فوجدهم يشيرون إلى الذكر والخلوة ، وتناول المعلوم ، والاشتغال بالعبادة، لكنني وجدت قلوبهم مشحونة بحركات إخوانهم، لا يطرف بعضهم إنكارا وتطلعا، وحسدا وغيبة. يقولون: خرج فلان، دخل فلان، رأيته يتحدث في السوق مع فلان، فتوجه كذا. فلان له معلوم كذا، بحيث لا يخلو قلب من يصحبهم عن حركاتهم، إلا نادرا، ومع ذلك فربانية الرسوم في صدورهم يعبدونها، قد استعبدتهم وملكتهم، لا تخلص لهم فريضة لله، مثاله: يتوضأ أحدهم حتى يصلي لله الفريضة ، وهو مع ذلك ملتفت إلى الخدام إن تأخر عن الصلاة مع الجماعة في الرباط أن يتكلموا فيه، وإن دام ذلك التخلف منه يوما أو يومين خاف أن يقطعوا معلومه ، ولذلك يخاف أحدهم إن فاتته وظيفة العصر معهم، أو وظيفة يوم الجمعة أن يتكلموا فيه، ولو تأخر عن ذلك أياما قطعوا معلومه، وأخرجوه من بينهم فقط، لا تخلص عبادتهم لله، وكيف تخلص عبادة من يخاف غير الله ? أو يعمل عملا لغير الله? وإن كان لله فهو مشوب بالنظر إلى غير الله.
Bogga 42