============================================================
وقال: (وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) (1).
وقال الصادق المصدوق : "حفت الجنة بالمكاره"(2) ، فأخبر أن الحجاب الذي حفت به الجنة: هو الفعل الذي هو كريه في النفس ، ثم أخبر أنه من حمل نفسه على ذلك المكروه، حتى يؤدي حقوق الله تعالى عليه، دخل الجنة (2) .
وقال عبد الله بن مسعود : ومن اطلع الحجاب واقع ما وراءه. أي : من يحمل المكاره في طاعة الله واقع الجنة، أي : دخلها.
والله العليم الكريم أعلم بخلقه وبما يصلحهم، فعلم من هذا العبد قبل أن يخلقه أنه إذا طبعه على حبة ما وافقه وبغض ما خالفه، ثم علم ما يوافقه مما يخالفه، فهاجت لذلك شهواته، ونازعته إلى ذلك نفسه، ولاسيما من خاض في استعمال الشهوات عمره لن يدع ما تشتهي نفسه إلا أن يخلق له عذابا أليما، ثم يتهدده به ولن يتحمل ما يكره إلا أن يخلق له نعيما مقيما ، ثم يرجيه ذلك النعيم ويعده إياه، فخلقهما جميعا لعلمه بخلقه ، وما آراد من كرامة أوليائه، وهوان أعدائه، وعلم أن هذا العبد الضعيف الجاهل إذا غيب عنه الثواب والعقاب، وصارا مذكورين في الخبر لا بالعيان، لم يسمح قلبه بترك الشهوات، وتحمل المكاره إلا بالخوف لما خوف والرجاء لما رجي(4) ، فخوف عباده وتهددهم، ورجاهم ووعدهم ، ليخوفوا أنفسهم ويرجوها فيخافوه.
وكذلك وصف الله الذين فهموا ذلك عنه وخافوه، فقال عز وجل : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (5)، فأخبر عز وجل أنه لما خاف ربه بلي نفسه عن اهوى.
(1) سورة النساء، الآية: 19.
(2) سبق تخريچه. ص 18. حديث حفت النار بالشهوات.
(3) في أ، ب: دخل الجنة برحمته .
(4) في ط: إلا بتخوف لما خوف، ورجاء لما رجي.
(5) سورة النازعات، الآية: 40.
Bogga 61