209

Rayhaniyyat

الريحانيات

Noocyada

إن الأغنياء ليقاسون شيئا من الكرب سببه غناهم، وقد تهضم كذلك حقوقهم، فقد فاه مؤسس الديانة المسيحية نفسه بكلمات مؤلمة شديدة عليهم، وقد حرمهم السماء بمثل واحد من أمثاله. فوالحالة هذه يجب أن لا يعدموا حقا بسماء أخرى على الأرض، في كنيسة صغيرة، حيث يستطيعون أن يناجوا ربهم على آخر زي دون من يزعج أو يلوم.

ها هنا يحبس أولئك الأغنياء المساكين أنفسهم ردحا قصيرا من الزمن، ولا حق لأحد من سائر سكان الغبراء أن يتطفل عليهم في ساعة يوقفونها لعبادة الله، فهم يستوون واقفين في مربعاتهم رصينين متأنقين فيرتلون النشيد المائة والسادس والسبعين أو المزمور الواحد والخمسين خاشعين. فتتشرب كل حواسهم الإيمان، ويستشعرون سلاما وسكينة لا نظير لهما في غير عالم الروح. وهذه حال الواعظ الذي لا يلقي عليهم من المنبر شيئا من أمثال الناصري عن الغني والعازار مثلا أو عن الجمل وثقب الإبرة، إن هذا المحترم ليراعي شعور رعيته وأميالها.

أستغفر الله مما ذكرت؛ فقد جئت الكنيسة لأصلي لا لأنتقد، وأما أولئك الذين قد سببوا في هذا التغيير العقلي السيئ - بعيدين كانوا أو قريبين، غائبين أو حاضرين - فإني أسأل الله لهم مثلما أبغي لنفسي من الرحمة والغفران.

قد أقامت الصلوة، ولكن الجزء المهم منها لم ينته، وسيقام في الزقاق الضيق أمام الكنيسة، حيث شرذمة من البوليس يحفظون نظام العربات الذاهبة الآتية، فيتحرك نحو الباب قطار السيارات الفخيمة المتعددة الألوان والأشكال، يحف بها الحشم وعلى دفتها السائقون الكيسون المتشامخون، والعربات تجرها المطهمات، فيثب منها الغلمان في الأثواب المقصبة الرسمية يفتحون لأسيادهم الأبواب ويطأطئون الرءوس للسيدات.

غوغاء وغرور ... ضجيج وتصلف ... معرض مدهش في العبادة ... أبهة وفخفخة في الورع والتقوى ... تعال يا أخي المسيحي الفقير، تعال معي إلى الجامع!

روح اللغة

إن للغة جسما لا ينمو إلا بالغذاء الجديد، وإن لها روحا لا يعلو أدب عليها ولا يدوم أدب دونها، ولكن الأجسام عرضة للأسقام، وآراء الناس في الأرواح لا تخلو من الأوهام. فاللغة إذا تحتاج إلى رجل الدين حينا، ورجل الطب أحيانا، أما إمامها فهو شاعرها، وأما طبيبها فهو أديبها، وما العمل إذا مرض الأديب وعجز الشاعر؟ العياذ بالله، وبما هو صحيح من روح اللغة، العياذ بمن يرى الصحيح فيستخدمه ليداوي ما اعتل فيها فيجدد قواها ويفسح لها من الحياة أجلا زاهرا. اقطع الغصن اليابس ولقح الغصن الطري، تسلم الشجرة فتنمو وتزهر، كذلك فعل دنته في اللغة الطليانية، وشكسبير في اللغة الإنكليزية، وفكتور هوغو في اللغة الفرنسية،

1

ولا ريب أن في سوريا ومصر اليوم من يحاولون شعرا ونثرا - وإن عد إحسانهم قليلا - تجديد حياة اللغة العربية وتوسيع نطاقها لفظا وبيانا.

إني ممن يتعشقون هذه اللغة الشريفة، وإذا كانت الإنكليزية تسابقها أحيانا إلى خيالي، وتجلس مكانها في معقولي، فهي لا تزال على لساني، وفي قلبي، وطي أحلامي، ليعذر مني القارئ هذا الإفصاح؛ فمن العادي الفطري أن يحب المرء لغة أجداده، ولكن لحبي غير الفطرة تؤيده وتحميه، فهو ناشئ عن إعجابي العظيم بالجميل الخالد من الآداب العربية، وما هو بالقليل إذا قسناه بغيره من مثله في لغات الأجانب.

Bog aan la aqoon