207

Rayhaniyyat

الريحانيات

Noocyada

وهو ذا درويش يتمتم قائلا: بسم الله الرحمن الرحيم، ويعدد خرزات سبحته حتى تبلغ النفس منه درجة الغيبوبة، هو ذا فقير يتثاءب ثم يهتف: يا الله يا كريم، ويخر مكبا على وجهه، وهناك بدوي ممدد تحت الرواق كأنه جثة هامدة، وليس من ملحد أو جاهل أو طفيلي يزعج المصلين أو يعكر راحة المستسلمين.

الجامع ميناء يرتاح إليه الشحاذ والأمير، وهيكل يضم المؤمنين، وناد يقبل أولاد الله على السواء، هو حيث يعثر المنبوذ على حجر يسند إليه رأسه، فتكتنفه رهبة القبة الواسعة التي تعلوه ولا ما يحرك السكينة في ذلك المكان الرهيب إلا كلمات: الله، يا الله، يا كريم، التي تدفعها الصدور وقتا فآخر. ولئن كان الجامع قائما في سوق النحاسين فيندر دخول صوت إليه من الخارج يفسد رهبة المكان، وإن النفس لتخشع فتدعو الجسد، وتبتهج فتدعو العقل، إلى علويات السكون الذي لا يوصف ولا يحد.

لا صنوج ولا أجراس، لا آلة موسيقية ولا جوق مغنين، لا رسوم ولا تماثيل، ولكن أضواء الإيمان المشتعلة دائما تهدي النفس فتجد خلال ذاك السكون وتلك الرهبة سبيلها إلى العزة الإلهية، إلى الإله الواحد، إلى الله.

دخلت ذات يوم جامعا في إحدى القرى لأستريح، وقد خلعت حذائي عند الباب - وأنا معجب بهذا التقليد الحكيم - والحكمة فيه حسية وروحية معا.

فإنه إذا كان من العيب أن تدخل بيت الله وحذاؤك في قدميك فكم بالحري إذا دنست سجاد الجامع الثمين بأوحال الطريق وغبارها؟

ناهيك بما اعتراني من السرور في العمل بهذا التقليد؛ لأن حذائي كان ضيقا على قدمي فقلت كما يقول الكثيرون ولا شك: نعم العادة التي في ممارستها راحة واحترام.

ولم يكن داخل الجامع سوى مصليين، رجل وقور طاعن في السن في إحدى الزوايا وشحاذ قريب في أطماره من العرى في الزاوية الأخرى، أما أنا فقد جلست على حصير تحت الرواق مسندا ظهري إلى عمود، ممددا ساقي، وكنت إذ ذاك كأني في منزلي.

إن الراحة والاستسلام من أصول التعبد الحقيقي، وهما مما تجد في الجامع في كل ساعة من ساعات النهار وفي كل ساعة من ساعات الليل، ولقد صليت كما أحببت، وخرجت مع رفيقي في الصلاة وأخوي في تسبيح الله، أما الشحاذ فكان حمالا وقد ترك حمله عند الباب وإذ تعذر عليه رفعه أسرع الشيخ المهاب لمعونته مشمرا ردنه الحريري وهو يقول: باسم الله، وانحنى الحمال تحت حمله الثقيل وقد تقلص عصب رقبته تحت الحبل المشدود على رأسه ثم خطا متثاقلا ولكنها خطوات ثابتة باسم الله.

والتفت الشيخ إلي وقال لي مشتبها: وهل أنت مسلم؟

فأجبته وأنا أشد حذائي: إني أعبد الله وأكرم النبي.

Bog aan la aqoon