ولما حان أجل إبراهيم جمع أبناءه وطلب التابوت، وهذا ما يأمر به الله تعالى فى قوله: «إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون» 3 وفتحه وقال: انظروا فرأوا فى هذا التابوت بيوتا بعدد الأنبياء، ورأوا جميع الأنبياء من صلب إسحاق إلى أن وصلوا لمحمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه كان من صلب إسماعيل، ثم قال إبراهيم: بخ بخ يا إسماعيل يا بشراك آخذ منك العهد والميثاق للمحافظة على هذا التابوت، وكان إسماعيل على هذا العهد إلى ذلك الوقت الذى طلب فيه يد بنت الحارث، وولد قيدار وانتقل النور إليه، وأوصاه إسماعيل بالحفاظ على هذا التابوت وسلمه إليه، وظن قيدار أن الطاهرات هن بنات إسحاق، فاختار منهن ثمانى نساء، وبقى معهن مائتى عام، ولم يلدن له قط حتى سمع ذات يوم نداء يقول: يا قيدار لما ذا لا تقدم قربانا ولا تسأل الله حاجة؟، فقدم سبعمائة من الغنم قربانا وكان يتصاعد من كل قربان نار بلا دخان، وكان يحمل هذا القربان إلى السماء، حتى جاء نداء بأن دعاءه قد استجيب، نم فى ذلك المكان وكل ما يطلب منك فافعل، فقالوا له فى المنام: ابحث عن امرأة تسمى غاضرة، فبحث قيدار وكانت ابنة ملك جرهم من أبناء زهير بن عامر من قحطان، وتزوجها وانتقل هذا النور إلى غاضرة حتى ذلك اليوم الذى أراد فيه أن يفتح التابوت، فسمع صوتا من السماء يقول: لا تفعل يا قيدار فأنت وصى ولست نبيا ولا يفتح هذا إلا نبى، وسلم هذا التابوت إلى يعقوب إسرائيل الله 4.
فقال قيدار لغاضرة: انجبى ولدا وسمه حملا، فأخذ التابوت وحمله إلى كنعان، ولما اقترب سمع صوتا من التابوت بحيث وصل إلى يعقوب (عليه السلام)، فقال لأبنائه: قيدار آت فاستقبلوه، ولما وصل قيدار بشره يعقوب لقد جاءك البارحة ولد، قال: وكيف علمت؟، قال: رأيت أبواب السماء مفتوحة ورأيت نورا مشرقا بين السماء والأرض، ورأيت الملائكة تتنزل من السماء فعلمت أن هذا من أجل نور محمد (صلى الله عليه وسلم).
ثم استودع قيدار يعقوب التابوت، وعاد إلى المنزل وكانت غاضرة قد ولدت ولدا، وسمته حملا، وكان النور يتألق فى جبهته، ولما كبر، أخذ أبوه بيده حتى أوصله إلى مكة، وبين له موضع الكعبة، ولما بلغ جبل ثبير جاءه ملك الموت، وقبض روحه فجلس حمل وكان يبكى، ووكل الحق سبحانه وتعالى جماعة من أبناء إسحاق ليدفنوه على جبل ثبير، ويسمونه جبل الثور وفيه الغار الذى مضى إليه المصطفى (عليه السلام) وأبو بكر عند الهجرة.
Bogga 93