[18_2]
فالسعد والنصر مقرون كما رقموا ... في الكتب في يمنك المضروب بالمثل
فسر لنصرة دين الله معتصما ... بالله انك محفوظ من العلل
يا من غدا بسخاء الكف مشتهرا ... ومن له كل أمر في الأمور جلي
طال اغترابي حتى حن راحلتي ... ورحلها وقرى العسالة الذبل
فارحم فديتك من جلت نوائبه ... واشتاق للأهل والأصحاب والطلل
عبدا غريبا بعيد الدار صيره ... هذا الزمان بلا خل ولا خول
مستلقيا ببلاد الروم ليس له ... خل يوازره في دهره العطل
لازلت مفتاح باب البشر متزرا ... بالفتح والنصر مقرونا وأنت علي
والشيء بالشيء يذكر، وتلك قاعدة عند أهل الأدب لا تنكر. في سنة أربع وستين ومائة وألف، من هجرة من له المجد والشرف اتفق لي سفرة إلى بلاد الروم، ونهضة إلى تلك المعالم والرسوم. وامتدت الغربة إلى أربع سنين وأيام، وقد عاركت فيها الأمور الجسيمة العظام. وأقمت في تلك المدة أتدرج في مسارحها، وأتصرف في منازهها ومسايحها. وكانت لي تلك البلاد نزهة أربت على نزه الحدباء والرصافة، وأنافت عليها أي انافة. وفي أثناء ذلك المقام، وفي خلال اتساق الأنس والانتظام، صادفت ما أزعجني وإلى حب الوطن هيجني. وتبدلت انعامات الدهر بوسا، وانقلب ابتسامه عبوسا. وأنحفني البعد وميلني، وأنهلني القلق وعلني. وحنيت إلى الوطن حنين العاشق إلى الخدود النواضر، فأنشأت قصيدة على هذا الوزن والروي فوقع الحافر على الحافر. وهي:
ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي ... إلا وأذريت دمع العين في وجل
ولا شدا الورق في أيك على فنن ... إلا وصرت لشوقي عادم المقل
ولا تذكرت أوطاني ومنزلتي ... إلا وأيقنت إن العز بالنقل
أين العراق وتلك الدار أين سنا ... تلك الجنان ففيها قد حلا غزلي
Bogga 18