قال أحمد: قد يجب أن أتعلم أن الماء إذا فارق الشىء فلا يبقى فيه من جنسه إلا القليل الذى لا يحس، كما ترى ذلك عيانا فى الثياب التى ترطب وغير ذلك من الأشياء التى يجاورها الماء. فإذا يبست فإنه لا يرى فيه من الجزء المائى ما يحس؛ فمداخلته العمل كذلك.
قال أفلاطون: ولو كان يراد بالعمل الحل دون الإدراك لكان يستغنى بإدخال الجزء المائى عليه.
قال أحمد: صدق الفيلسوف! فلولا يراد من تدبير العمل وإدخال القوى عليه دون الترطيب، لكان يكتفى بأن يدخل عليه من الجزء المائى ما يقيمه فى السيلان كهيئته بعد الحل. إلا أن المقصود تفريق الأجزاء فى أزمنة وساعات معلومة.
قال أفلاطون: والخمر بالإضافة إلى الماء كالدم إلى الزبل؛ إلا أن الماء خلو من العفونة.
قال أحمد: إن الخمر إذا أضفته إلى الماء وجدته أكثر عملا منه بقدر تفاضل عمل الدم على عمل الزبل؛ وهو أيضا — أعنى الخمر — يدخل فى العمل ما لا يجب أن يدخل، كما يدخل الدم؛ فشبه الفيلسوف هذا التشبيه ثم قال: «إلا أن الماء خلو من العفونة» — أراد به أنه لم يتشابها فى العفونة.
قال أفلاطون: والزبل والدم من الحيوان كالحيوان.
قال أحمد: إن هذين النوعين، أعنى به الزبل والدم من كل جنس، يشاكل ما هو منه؛ فليكن قياسك على ذلك.
قال أفلاطون: إلا أن الزبل من الإنسان والسباع أشد عفونة وعكرا، إذ كان تولده من العفن، فقد تردد.
قال أحمد: لما كان طعام الإنسان والسباع اللحوم المخصوصة بالعفونة وما شاكلها من الأغذية التى وإن لم تخص بالعفونة فهى رخوة، فبالواجب أن يكون الزبل من هذين الجنسين عفنا جدا لتردده فى العفونة.
Bogga 176