قال أفلاطون: والفساد العلوى من جهة تفاوت مواقع الأشخاص العلوية والسفلى مداخلة الأركان إياه على غير موافقة والمعالجة على غير سداد؛ وأشد ذلك تضاد المخالط السريع الجوال.
قال أحمد: أما ما تقدم من قول الفيلسوف فهو واضح فى نفسه لا يحتاج إلى تفسير ما خلا قوله: «السريع المخالط» يريد بها الروحانيات، وهى أشد الأشياء على العمل، ومنها يكون أكثر الفساد.
قال أفلاطون: فإن لم تقدر أن ترضيها، فاستعن عليها ما هو أعلى منها ليكفها.
قال أحمد: إن من المحال أن تقدر على تألف جميع الروحانيات، أو تجمع فى التألف بين المضاد والمنافر. وأولى الأمور أن يوالى العامل روحا قويا، فى قدرته منع من يخاف منه فساد العمل. وأولى الأرواح بالتألف روحانيات الكوكبين العلويين: زحل والشمس، أو روحانية الدولة والملة، أو الروحانية المتولدة من القران أو المستولية على الزمان. ولا يجمعن فى تألفه بين اثنين، أعنى به كوكبين، أو روحين مختلفين، بل يقتصر على واحد فإنه أتم لأمره وأسلم لإجابته.
قال أفلاطون: وليس يكون منه إذا تألف وأجاب منع المضاد فقط، بل يسدد ويوفق.
قال أحمد: لا يخلو المتألف لروح من الأرواح أن يوفق للصواب فى جميع أعماله لاسيما إذا كان المتولى للتأليف قويا.
قال أفلاطون: وأنت مستغن عما يحتاج إليه المتألف للالتباس.
قال أحمد: إن المتألف للالتباس يلحقه التعب الشديد والمؤن الكثيرة، ثم لا تسرع الإجابة إليه كما تسرع إلى غيره ممن يتألف للاستعانة، لأن الالتباس أمر جليل عظيم، ليس شىء من أمور العالم إلا بالمثابرة واللجاج والصبر والإلحاح والقيام بكل ما يقربه إلى من يتألفه. ثم لا يتم له فى ذلك إلا فى القران الدال على الالتباس الواجب كونه فيه، وربما حرمه ذلك ضعف مولده وفساد مواضع الكواكب فيه.
Bogga 169