251

Rasaailka Al-Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Noocyada

وقد بسطنا العذر لذوي العجز في صدر الكلام، وإن أبى الجاني المستحق للحكم والحد الإمكان من نفسه وماله وما هو بسبيله، فقد عصى الله تعالى في ذلك كما عصاه في ركوبه ما أوجب عليه الحد، ولم يؤت من ربه لما ذكرنا من إيضاح الحجة وإثبات القدرة.

فصل منه : وقد علمنا أن من شأن الناس الهرب إذا خافوا نزول المكروه والامتناع من إمضاء الحدود بعد وجوبها عليهم ما وجدوا السبيل إلى ذلك، وهذا سبب إسقاط الأحكام والتفاسد. وقد أمرنا أن نترك أسباب الفساد ما استطعنا، وبالنظر للرعية ما أمكننا، فوجب علينا عند الذي قلنا أنا لو لم نقم إماما واحدا كان الناس على ما وصفنا من التسرع إلى الشر إذا طمعوا والهرب إذا خافوا. وهذا الأمر قد جرت به عامة المعرفة وفتحت عندنا فيه التجربة. قلنا عند ذلك: إن الإمامة لا تجب على الناس من طريق الظنون وإشفاق النفوس، وقد رأينا أعظم منها خطرا وقدرا ونفعا في كل جهة على خلاف ذلك، وهو رسول الله

صلى الله عليه وسلم

بعثه الله إلى أمة وقد علم أنهم يزدادون من كفرهم - من قبل ذلك الرسول - كفرا بجحدهم له وإخراجهم إياه وقصدهم قتله، ثم لا يكون ذلك مانعا له من الإرسال إليهم والاحتجاج به عليهم لمكان علمه أنهم يزدادون فسادا وبغيا؛ إذ كان قدم لهم ما به ينالون مصالح دينهم ودنياهم، وإنما على الحكيم أن يأتي الأمر الحكيم عرف ذلك عارف أم جهله جاهل، وعلى الجواد ذي الرحمة في جوده ورحمته أن يفعل ما هو أفضل في الجود وأبلغ في الإحسان وألطف في الإنعام من إيضاح الحجة وتسهيل الطرق والإبلاغ في الموعظة مع ضمان الوعد بالغاية من الثواب والدوام واللذة، والتوعد بغاية العقاب في الدوام والمكروه، إلى عباده الذين كلفهم طاعته وأهل الفاقة إلى عائدته ونظره وإحسانه، فإن قبل ذلك قابل فقد أصاب حظه، وإن أبى ذلك فلنفسه ظلم. وقد صنع الله به ما هو أصلح وإن لم يستصلح العبد نفسه.

قالوا: فإذا كان الله تبارك وتعالى عالما بأن القوم يزدادون فسادا عند إرسال الرسل، وكان غير صارف لهم عن الإرسال إليهم؛ إذ كان قد عدل خلقهم ومكنهم من مصلحتهم، فما بال الظن والحسبان بأن الناس يتفاسدون ويتنازعون إذا لم يقيموا إماما واحدا يوجب فرضا لم ينطق به كتاب ولم يؤكده خبر، وقد رأينا العلم بأن الناس يتفاسدون ولا يرد به فرض؟!

فصل منه : وقالوا: قد رأينا أهل الصلاح والقدر عند انتشار أمر السلطان وغلبة السفلة والدعار وهيج العوام يقوم منهم العدد اليسير في الناحية والقبيلة والدرب والمحلة فيقيم لهم حد المستطيل ويقمع شذوذ الدعار حتى يستريح الضعيف ويأمن الخائف وينتشر التاجر ويكبر جانبهم الداعر، وإنما صلاح الناس بقدر تعاونهم وتخاذلهم، مع أن الناس لو تركهم المتسلطون عليهم وألجئوا إلى أنفسهم حتى يتحقق عندهم ألا كافي إلا بطشهم وحيلهم، وحتى تكون الحاجة إلى الذب والحراسة والعلم بالمكيدة هي التي تحملهم على منع أنفسهم، لذهبت عادة الكفاية وضعف الاتكال ولتعودوا اليقظة ولدربوا بالحراسة واستثاروا دفين الرأي؛ لأن الحاجة تفتق الحيلة وتبعث على الروية، وكان بالحري أن يصلح أمر الجميع ؛ لأن طمع الراعي إذا عاد بأسا صرفه في البغي وكان ذاك منبها للنائم ومشحذا لليقظان وضراوة للمواكل ومزجرة للبغاة حتى ينبت عليه الصغير ويتفحل معه الكبير.

فصل منه : وزعم قوم أن الإمامة لا تجب إلا بأحد وجوه ثلاثة: إما عقل يدل على سببها، أو خبر لا يكذب مثله، أو أنه لا يحتمل شيئا من التأويل إلا وجها واحدا. قالوا: فوجدنا الأخبار مختلفة، والمختلف متدافع، وليس في المتدافع والمتكافئ بيان ولا فضل. فمن ذلك قول الأنصار، وهم شطر الناس أو أكثرهم، مع أمانتهم على دين الله تعالى وعلمهم بالكتاب والسنة حيث قالوا عند وفاة النبي

صلى الله عليه وسلم : منا أمير ومنكم أمير. فلو كان قد سبق من رسول الله

صلى الله عليه وسلم

في ذلك أمر ما كان أحد أعلم به منهم ولا أخلق للإقرار والعمل بما يلزم الصبر عليه منهم، بعد الذي ظهر من احتمالهم في جنب الله تعالى والجهاد في سبيله والنصرة لنبيه

Bog aan la aqoon