245

Rasaailka Al-Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Noocyada

وخبرني - جعلت فداك - عن قولك في الشعر الذي ننشده في المنام مما لم نسمع بأجود منه في اليقظة، وعن الشعر الذي نخترعه عن مناقلة الكلام وموازنة الأمور وحال النوم، وحال الآفة والنقص وصاحبه مغمور أو شبيه بالمغمور ولا يجري عليه قلم ولا يلام ولا يشكر. ولم صرنا نتذكر الشيء المهم فلا نقدر عليه حتى ندعه فأيسنا منه أجمع ما نكون أنفسا وأحسن ما نكون تذكرا، ثم يعارضنا ويخطر على بالنا في حال سهر أو في حال نوم وأغنى ما نكون عنه وأقل ما نكون احتفالا به! ولم صرنا ننسى من القصيدة بيتا أو آية من جميع السورة أو كلمة من جميع كلام الخطبة، ولم صار البلغم بالباء أولى منه بالتاء، ولم كانت المرة السوداء بالجيم أولى منها بالحاء، وكذلك القلب المانع من الحفظ. وهل بد للحقيقة من خصائص أسباب وأعيان علل؟ وإلا فقد يجوز أن تنسى هذه القصيدة بدل تلك، ولم صار بعض الناس أحفظ للنسب وبعضهم أحفظ للإسناد، وبعضهم أحفظ للمعاني، وبعضهم أحفظ للألفاظ. ولم صرنا لا ننسى السباحة وبالاكتساب عرفناها والعادة أن المكتسب قد ينسى ويجهل، وأن الضروريات لا تجهل. وقل لي: لم لم تضرب السامري، ولم لم تعض ماني وتمضه، ولم لم تبزق في وجه فرعون. أم إن الطبيعة التي هيبتك من هشام بن خلف بن قوالة الكناني حين قال على رأس النعمان وأنت رجل يمان هي التي منعتك من أن تبزق في وجه فرعون وأنت سمعته يقول:

وما رب العالمين ؟ ولم أزعم أنك رجل يمان لولادة لك في قحطان، كيف وأنت أقدم من قحطان ومعد بن عدنان، ومن القرون التي خبر الله عن كثرتها وعن آبائها وأجدادها! ولكنك منهم بالهوى والنصرة، ولأنهم كانوا لك أحشاما وصنيعة.

وقل لم صار جميع الحيوان يسبح إلا الإنسان والقرد والعقرب والفرس الأعسر؟ وأي شيء عندك في آصف، وفي سفر آدم، وفي جراب موسى، وفي درسب، وفي شنلة، وفي كتاب الأسماء، وفي قولهم دعا فلان باسم الله الأعظم؟ وما تقول في ابن عقيب، وفي أشج بن عمرو، وفي شعيب وصالح، وفي السفياني، وفي الأصفر القحطاني؟

وخبرني - جعلت فداك - مذ كم صنعت حساب الهسمرح، ومن صاحب خطوط الهند، وأين كتب قوم صنعة السند هند والأركند وحساب كلا سفر؟ ومذ كم عمل الباب الجامع، ومذ كم عمل الأرتماطيقي، ومن سمى الجبر بالجبر، والجذر بالجذر، والنشاذر بالبارود، والأكدرية من أي شيء اشتقت، وما تأويل الدحال، وما تأويل الجمل، ومن أول من عد إلى عشرة وجعل العشرة منتهى وغاية، ثم ضاعفها وجعل غايات الأعداد عشر العشرات وعشرات عشرات العشرات أبدا، ثم كسر على العشرة مما دون أعدادها؛ لأن الأصابع عشرة، وكيف لم يجعل الغاية ما له نصف وثلث وربع وسدس وثمن، أم رأى أن التضعيف أبدا لا يكون إلا للعشرات، فقد نجده في عشر العشرات، أم القول الأول الأشياء كلها عشرات، ولست أعرف - جعلت فداك - قوله إن الإنسان عشرة أشياء، كما لم أعرف قول الفزاري إن العقل كري، وقد علمت أن القلب كري، وأن الرأس الذي جمع الحواس كري. فأما العلم والقول وما أشبههما فإنا لا نعرف هذه الأمور إلا على خلاف الأجرام الموصولة والمقطوعة، وقد شدوت من الموسيقى ولم أبلغ منه شهوتي.

فخبرني أين كان إقليدس وميرسطوس من فيثاغورس، وأين تلامذتهما من تلامذته، وهلا قدمتم إقليدس مع صنعة البرابط والمعازف؟ وأين أرشخانس من مورسطس، وأين ريوشت من فلهوذ، ولم قتله وهو فوقه في الإطراب والصنعة وفي الرواية والرئاسة، ولم عفا سابور عن قتله بعد إقراره بقتله وبعد أن سحب إلى الفيلة وعزم على إمضاء الحكم. وأين كانت هر وفرتنا من الجرادتين، وأبو طيبة والرباب من السردان والمهراس، وأين حبابة من سلامة صاحبتي يزيد، وأين عزة الميلاء من جميلة الحدباء، وأين حيية من الميلاء. وخبرني عن غناء الركبانية للمصطلق أخذته منه الركبان أم للركبان، وهل رجعه بخسر المصطلق. وزعمت أن الأهزاج لليمن، وأن النصب للقينات، فلمن السناد؟ فخبرني أين كان ضبيس بن حرام من المصطلق بن سعيدة، ولم جعل المعلم النغم يعد لليوناني ست عشرة نغمة؟ ألأنه لم يدرك أكثر منها أم لأنه ليس في الحلقة إلا ما أدرك، ولم جعل الرعب للسوداء، والحزن للبلغم، والجرأة للصفراء، والسرور للدم. ولم فسر الأوتار على ذلك فجعل الزير للصفراء، والمثنى للدم، والمثلث للبلغم، والبم للسوداء! وقال: الزير لطيف ناري خفيف، والمثنى هوائي بين طبيعة النار وهو دون النار في الخفة وبين طبيعة الماء وهو فوق الماء في الخفة، والمثلث كالماء، والبم كالأرض، وفي المثنى ضعف وزن الزير، وفي المثلث ضعفا وزن الزير، وفي البم ثلاثة أضعاف. ولم زعم أن من اللحون ما يقلق ويفرق فإن زيد فيه نقض وإن قوي قتل، وأن فيها ما يغير فإن زيد فيه غشى وإن قوي أجمد فإن قوي قتل. فجعل لحنا مطلقا يقتل بالإذابة، وجعل لحنا يقتل بالإجماد. ولم وصف اللحون بالإجماد والإضاعة كما توصف السموم القاتلة؟ خبرني عن صنعة البربط، للمك

44

أم لرفائيل أم لإقليدس؟ وما تقول في قولهم إن لمكا عمل العود على صورة فخذ ابنه ساقها وقدمها وأصابعها، وأنه جعل الصدر الفخذ، والساق الإبريق، والقدم المشط، والأصابع الملاوي، والأوتار العصب والعروق.

جعلت فداك، كيف حفظك لكتاب كاوريد، وقد خبرني بعض المتكلمين أنه رأى بسيراف مجوسيا يحفظه وهو في ألف جلد بخط مقارب. وكيف حفظك لكتاب الطرف، وهل لقيت واضعه أيام أدخلك بلاد الروم نزول عطارد؟ وخبرني عن أسرار الهند، ألرجل بعينه أم لشورى؟ ولم زعموا أن العقوق يورث البرص، وهذا مما لا يعرف في الطب. ومن صاحب الشطرنج، ومن صاحب كليلة ودمنة، ومن واضع الكوكلة، ومن طبع القلعة، ولم صار الهندي والرومي لا يحفلان بالسندي في حال الأسر ويرغبان عنه في حال القتال. وقد اختلفوا علينا في النعال السندية، فزعم قوم أن صاحب كتاب الباه كان قصيرا منكرا وكان بالنساء مستهترا وأنه احتال بها لجسمه حتى وصلها برجله ليكون ثخنها زائدا في طوله، فلما طالت الأيام ومضت الدهور ظن من لا علم له أنها اتخذت للزينة أو لضرب من المرفق. وقال آخرون: بل اتخذت للعقارب ليلا وللطين نهارا، فلما طال عليها الدهر نسي السبب، وذلك أن أكثر الرداغ لا تستغرق ثخنها وإبرة العقرب لا تكاد تجاوزها. وقال آخرون: بل إنما اتخذتها ملوكها لمكان أصواتها وصريرها استئذانا على أزواجها وأمهات أولادها وعلى جميع محارمها لحالات تكن عليها وأمور تكن فيها، فصار صريرها تدنأ واستئذانا. وزعم إسماعيل بن علي أنك أنت الذي كنت أمرت باتخاذها وأشرت بصنعها، وأنت تكتم السر الذي فيه، وأنك الذي علمتهم مضغ التانبول ودبغ تحمير الأسنان، وتطبيب النكهة، وأكل السعد لما أنت أعلم به، والتصندل لما لا يجوز المكاتبة فيه، وأنك أول من احتبى هناك واستاك وفرق شعره وعلم الخضاب أهله. وكيف وقد زعمت أن الاحتباء إنما صار فيهم وفي العرب لأن نازلة العمد والصحاري وسكان الفيافي والبراري وكل من ليس لشماله مرفقة ولا لظهره مسندة ولا لفخذه جنة لا بد أن يشتكي ظهره إذا طال انتصابه وكثر جلوسه، ومن احتاج احتال، ومن استغنى تبلد. فأخرجت لهم الحبكة للحبوة حتى قامت لهم مكان المتكأ والمسند. فقد قال لك كسرى: فما بال الترك والخزر وجميع أهل الصحاري والعمد لا يعرفون الاحتباء، والحاجة واحدة والعقول سليمة، فلم أمسكت يومئذ عن الجواب؟ ألأنه استفهم استفهام الراد أو نفست به على من شهد ذلك المشهد؟

وأنا - جعلت فداك أعلم أني أسمع ولا أعقل كيفية السمع، وأعلم أني أبصر ولا أعقل كيفية البصر، ولا أدري أمعدن العقل الدماغ والقلب بابه وطريقه، كما أن معدن اللون جميع النفس والعين بابه وطريقه، أم معدن العقل القلب دون الدماغ أو لعلهما موصولان غير مقطوعين. وقد اعتل قوم للدماغ بأن جميع الحواس في الرأس، واعتل قوم بالحس وبما يجدون في قلوبهم من الرعب والاضطراب وغير ذلك، فكيف القول فيه وعلام عزمت منه؟ وكيف صار الناظر يبتدي من جهة وإن كان يعرف الله فكيف عرفه، أباضطرار أم باكتساب؟ وكيف جهل سليمان موضع ملكة سبأ، وهو ملك وشأنه عظيم والجن له مسخرة والطير له برد والريح له أداة، وكيف جهل يوسف مكان أبيه وحاله في الحزن عليه حاله وهو ملك نبي، وكيف جهل أبوه مكانه وهو نبي، وليس أنبه من نبي، وملك هذا بالشام والآخر بمصر؟ وما تقول في أهل التيه وعن ترددهم أربعين عاما في مكان واحد وعقولهم معهم، وإنما يجولون ليقفوا على الطريق، فكيف أضل الجميع الطريق مع ارتفاع الذكر وشدة الطلب؟ وخبرني عن كلام عيسى في بطن أمه ثم في المهد، وعن عقل يحيى في حال الصبا، أكانا في حالهما يتعقلان ما لا يعلمان أم ينطقان بما يعلمان؟ وكيف علما، أبتجربة واستنباط وعن تمام أداة وكمال آلة، أم من طريق الإلهام والإخراج من العادة؟

وقد تعجب ناس من إطالتي ومن كثرة مسألتي، وتعجبي من تعجبهم أشد والذي كان من إنكارهم أعظم، ولو رغبوا في العلم رغبتي ورأوا فيه مثل رأيي وكانوا قرءوا كتابي إليك في شبيبتي وأيام شباب رغبتي، لاستقلوا من ذلك ما استكثروا ولاستقصروا منه ما استطالوا. فإن أذنت لي أظهرته، وإن تجد علي أعلنته.

Bog aan la aqoon