التقليد أيضا، إذ لا يجب عليه إلا ما يقدر عليه، و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ ١.
ونصوص العلماء على جواز التقليد لمثل هذا كثيرة مشهورة؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ٢، وفي الحديث عن النبي ﷺ: "ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال" ٣.
ولم تزل العامة في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم يستفتون العلماء ويتبعونهم في الأحكام الشرعية، والعلماء يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل، ولا ينهونهم عن ذلك من غير نكير؛ فكان إجماعا على جواز اتباع العامي العلماء المجتهدين، ويلزم هذا العامي أن يقلد الأعلم عنده، كما يلزمه في مسألة القبلة، فإذا اجتهد مجتهدان عند اشتباه القبلة فاختلفا في الجهة، اتبع المقلد أوثقهما عنده.
ولا يجوز له أن يتبع الرخص، بل يحرم ذلك عليه، ويفسق به. قال ابن عبد البر: "لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا". ولا يلزم العامي أن يتمذهب بمذهب يأخذ بعزائمه ورخصه.
قال الشيخ تقي الدين في الأخذ برخص المذهب وعزائمه: "طاعة٤ غير النبي ﷺ في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع، وتوقف أيضا في جوازه".
مَنْ تُؤْخَذ عنه الفتوى
وبالجملة، فالعامي الذي ليس له من العلم حظ ولا نصيب، فرضه التقليد. فإذا وقعت له حادثة استفتى من عرفه عالما عدلا، أو رآه منتصبا للإفتاء والتدريس، واعتبر الشيخ تقي الدين وابن الصلاح الاستفاضة بأنه أهل للفتيا، ورجحه النووي في "الروضة"، ونقله عن أصحابه. وقال الشيخ تقي الدين: "لا يجوز أن يستفتى إلا من يفتي بعلم وعدل".
_________
١ سورة البقرة آية: ٢٨٦.
٢ سورة النحل آية: ٤٣.
٣ أبو داود: الطهارة (٣٣٦) .
٤ قوله: طاعة إلخ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو: أي الأخذ المذكور طاعة لغير النبي إلخ، إلا أن يكون سقط من الناسخ بعض الكلم.
1 / 7