المقلد، فهذا لا يجوز، وقد اتفق السلف والأئمة على ذمه وتحريمه، قال الشافعي ﵀: أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
(النوع الثاني): التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل، فهذا مذمومٌ أيضا لأنه عمل على جهل، وإفتاء بغير علم، مع قدرته وتمكنه من معرفة الدليل المرشد، والله تعالى- قد أوجب على عباده أن يتقوه بحسب استطاعتهم، فقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ١، وقال النبي ﷺ "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ٢.
فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة الله ورسوله. ولم يكلِّف الله عباده ما لا يطيقونه، بل الواجب على العبد ما يستطيعه من معرفة الحق، فإذا بذل جهده في معرفة الحق فهو معذورٌ فيما خفي عليه.
(النوع الثالث) التقليد السائغ، وهو تقليد أهل العلم عند العجز عن معرفة الدليل، وأهل هذا النوع نوعان أيضا:
(أحدهما): من كان من العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث، ولا ينظرون في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك.
(النوع الثاني): من كان محصلا لبعض العلوم قد تفقه في مذهب من المذاهب، وتبصر في كتب متأخري الأصحاب -ك"الإقناع" و"المنتهى" في مذهب الحنابلة، أو "المنهاج" ونحوه في مذهب الشافعية، أو "مختصر خليل" ونحوه في مذهب المالكية، أو "الكنز" ونحوه في مذهب الحنفية، ولكنه قاصر النظر عن معرفة الدليل ومعرفة الراجح من كلام العلماء، فهذا له
_________
١ سورة التغابن آية: ١٦.
٢ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨)، ومسلم: الحج (١٣٣٧)، والنسائي: مناسك الحج (٢٦١٩)، وابن ماجه: المقدمة (١،٢)، وأحمد (٢/٢٥٨،٢/٣٥٥،٢/٤٢٨،٢/٤٥٦،٢/٤٨٢،٢/٤٩٥) .
1 / 6