قابلتني زوجته، وأولاده يرحبون بي، وقد فرحوا فرحًا شديدًا، وأدخلوني قاعة ليس بها إلا مرآة وكرسي أجلسوني عليه، واحتاطوا بي صانعين دائرة، وقد حمل أحد أولادهما سراجًا لامبه والآخر طستًا، والزوجة طفلًا لها، والرجل يحلق لي، فداخلني السرور من مشاهدة ذلك، وامتلأ صدري استغرابًا كاد يهزّ من جسمي ضحكًا، لولا ما ملكت النفس، وبينما نحن بهذه الهيئة العجيبة التي تمنيت أن يراها أحد المصورين قالت الزوجة إلى زوجها:
- أما تنظر سواد شعر هذا السيد؟
فقال:
- نعم، وأنا منه أعجب.
ثم دنا أحد أولادهما وأشار بإصبعه، قائلًا:
- انظروا، انظروا وعيناه سوداوان.
فغلب علي الضحك، وقلت:
- سادتي أهذا عجيب بينكم؟
فأجابني الرجل:
- نعم، وإني شغوف بأن أعلم من أي بلد يكون السيد؟
فقلت مداعبا: ً
- برلين
فضجوا استعظامًا لسماع كلمة برلين التي سمعوا بها ولم يروها، ثم التفت إلي الرجل قائلًا:
- أحقيق ما يقال إن السكة الحديدية ببرلين فوق المنازل؟
فقلت ضاحكًا:
- نعم، وتحتها أيضًا.
ثم قالت زوجته:
- أو كل البرلينيين أولو شعر أسود وأعين سود؟
فأجبتها:
- نعم، ولكن أغلبهم.
فتأمل الرجل طويلًا وقال:
- لا، وما أظنك إلا فرنساويًا أو روسيًا؟
فقلت:
- ما أنا بأحدهما.
ولم يزالوا يكرِّرون السؤال وأنا ما بين ضحك وملل، حتى إذا علموا أني مصري بهتوا، حيث لم يدروا
1 / 341