ثم اتجهتُ منها إلى الشاطئ فتأملتُ طويلًا في محاسن الصنعة الإلهية التي تحار لها العقول، وطوّحت النظر إلى الشاطئ الثاني حيث مصب نهر ناهه في نهر الرين فشِمْتُ من خاطري انتعاشا لمشاهدته، فعبرت يقلني زورق حتى وصلت إلى الشاطئ، ومنه جست جسرًا على نهر ناهه المذكور فوق المصب فراقني منظره العجيب، وقد اندفق ماؤه في نهر الرين بخرير صَغَت إليه النفس، وارتاح له الخاطر، حيث كان ذلك أول مرة عاينت مصب نهر في آخر، ثم ساقتني الأقدام إلى بلدة على ذلك الشاطئ تسمى بنجن فدخلتها وجست خلال سبلها، فإذا هي كثيرة الأسواق، ضيقة الشوارع غير نظيفتها، بها من السكان ٧٠٠٠ نفس، وكانت
قديمة مطروقة للرومانيين حيث أعدوها قلعة لهم، وجعلوها بابًا إلى طريق مدينة كلونيا التي تقدم لنا ذكرها.
ولما نالت العين حظها من مشاهدة تلك البلدة، عبرت النهر ثانية إلى بلدة رودسهيم وقد أرخى الظلام على الآفاق أسداله، وطرزت النجوم بعسجدها أثماله، وريثما تناولت طعام المساء قلت لخادم الأوتيل: ألم يكن في حيكم هذا حلاق؟ فقال نعم، بجانبنا حلاق نظيف مشهور، وهو مخصوص بأمراء البلدة وأعاظم الناس. فخرجت وقد هداني إلى محله، فألفيت باب بيت دخلت منه فإذا برجل قد نزل إلي يدعوني إلى الصعود، وحينما صعدت
1 / 340