112

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

ومن إحدى علامات أولياء الله وعباده المخلصين، ومن أخص صفاتهم التي يمتازون بها عن غيرهم هي معرفتهم بحقيقة الملائكة وكيفية إلهامها، وقد ذكرنا طرفا من هذا العلم في رسالة الإيمان وماهيته وخصال المؤمنين، ومن دقيق معرفتهم ولطيف علومهم معرفة حقيقة الشياطين وجنود إبليس اللعين وكيفية وسواسهم ومسهم كما ذكر الله سبحانه بقوله: @QUR020 إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون.

ومن علاماتهم وصفاتهم ودقيق علومهم ولطيف أسرارهم معرفة البعث والقيامة والنشر والحشر والحساب والميزان والصراط والجواز؛ وذلك أن أكثر علماء أهل الشرائع النبوية وفقهائهم المتعبدين فيها متحيرون في معنى الإبليسية وحقيقة إبليس المخاطب لرب العالمين بقوله: @QUR04 أنظرني إلى يوم يبعثون، وأكثر العلماء شاكون في وجود هذا القائل: @QUR02 لأغوينهم أجمعين، وأكثر المتفلسفة منكرون قصته مع آدم وعداوته له وخطابه لرب العالمين ومواجهته له بخشونة الخطاب، بما ذكر الله سبحانه في القرآن في نحو من خمسين آية مثل قوله: @QUR015 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين، وآيات كثيرة في أمثال هذه الحكايات موجودة في التوراة والإنجيل وصحف الأنبياء - عليهم السلام - كثيرة، وقد بينا نحن معانيها في رسالة البعث والقيامة، ولكن نريد أن نذكر في هذا الفصل منها طرفا في كيفية عداوة أولياء الله تعالى مع إبليس، وكيفية محاربتهم مع الشياطين ومخالفتهم ومجاهدتهم معهم طول أعمارهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا، وأنه لا يخفى عليهم مكائدهم، ولا يذهب عنهم غرورهم وأمانيهم.

(16) فصل فيما حكاه ولي من أولياء الله عن كيفية معرفة مكايد الشياطين ومحاربته معهم ومخالفته جنود إبليس أجمعين

قال العالم المستبصر لأخ له من أبناء جنسه فيما جرى بينهما من المذاكرة في أمر الشياطين وعداوتهم : كيف عرفت الشياطين ووساوسهم؟ قال: إني لما نشأت وتربيت وشدوت من الآداب طرفا، وأخذت من العلم نصيبا، وعقلت من أمر المعاش قسطا، وعرفت أمر المنافع والمضار؛ تبينت ما يجب علي من أحكام الناموس من الأوامر والنواهي والسنن والفرائض والأحكام والحدود والوعد والوعيد والذم والمدح على الأعمال والأفعال وعلى تركها، ثم قمت بواجبها جهدي وطاقتي بحسب ما وفقت له وقضي علي ويسر لي، ثم تفكرت في قول الله تعالى: @QUR06 إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وقوله: @QUR06 إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا وآيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى، وتفكرت في قول النبي - صلى الله عليه وآله: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.» يعني: مجاهدة النفس، وتصديقه قول الله تعالى: @QUR05 ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه وفكرت في قوله - عليه السلام: «لكل إنسان شيطانان يغويانه.» وقوله: «إن شيطاني أعانني الله عليه فأسلم.» وقوله: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.» وتصديق ذلك قول الله تعالى: @QUR010 من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس إلى آخر السورة، وقوله تعالى: @QUR08 إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم وآيات كثيرة في القرآن في مثل هذا المعنى وأحاديث مروية أيضا في هذا المعنى كثيرة.

فلما سمعت ما ذكر الله تعالى وتفكرت فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، نظرت عند ذلك بعقلي وفكرت بقلبي وتأملت برويتي، فلم أر أحدا في ظاهر الأمر يضادني في هذا المعنى ولا يخالفني ولا يعاديني من أبناء جنسي؛ وذلك لأني وجدت الخطاب متوجها عليهم كلهم مثل ما هو متوجه علي، ووجدت حكمهم في ذلك حكمي سواء لا فرق بيني وبينهم في هذا الأمر، فعلمت أن هذا أمر عموم يشمل جميع بني آدم ويعمهم، ثم تأملت وبحثت ودققت النظر؛ فوجدت حقيقة معنى الشياطين وكثرة جنود إبليس اللعين أجمعين ومخالفتهم بني آدم وعداوتهم لهم ووساوسهم إياهم؛ هي أمور باطنة وأسرار خفية مركوزة في الجبلة، مطبوعة في الخليقة، وهي الأخلاق الرديئة، والطباع المذمومة المنتشئة منذ الصبا مع الإنسان بالجهالات المتراكمة واعتقادات آراء فاسدة من غير معرفة ولا بصيرة، وما يتبعها من الأعمال السيئة والأفعال القبيحة المكتسبة بالعادات الجارية الخارجة من الاعتدال بالزيادة والنقصان، المنسوبة إلى النفس الشهوانية والنفس الغضبية.

ثم تأملت ونظرت فوجدت الخطاب في الأمر والنهي والوعد والوعيد والمدح والذم متوجها كله إلى النفس الناطقة العاقلة المميزة المستبصرة ووجدتها هي بما توصف من الأخلاق الجميلة والمعارف الحقيقة والآراء الصحيحة والأعمال الزكية ملكا من الملائكة بالإضافة إلى النفس الشهوانية والغضبية جميعا، ووجدت هاتين النفسين؛ أعني: الشهوانية والغضبية بما توصفان به من الجهالات المتراكمة والأخلاق المذمومة والطباع المركوزة والأفعال القبيحة التي لهما بلا فكر ولا روية كأنهما شيطانان بالإضافة إلى النفس الناطقة.

ثم تأملت وبحثت ودققت النظر فوجدت جميع الأعمال الزكية والأفعال الحسنة التي هي منسوبة إلى النفس الناطقة إنما هي لها بحسب آرائها الصحيحة واعتقاداتها الجميلة، ثم وجدت تلك الآراء والاعتقادات إنما هي لها بحسب أخلاقها المحمودة المكتسبة بالاجتهاد والروية والعادات الجارية العادلة، أو ما كانت مركوزة في الجبلة، فتبينت عند ذلك، وعرفت - بهذا الاعتبار - أن أصل جميع الخيرات وصلاح الإنسان كلها هي الأخلاق المحمودة المكتسبة بالاجتهاد والروية والمركوزة في الجبلة.

وتبين لي وعرفت أيضا أن أصل جميع الشرور وفساد أمور الإنسان كلها هي الأخلاق المذمومة المكتسبة بالعادات الجارية منذ الصبا من غير بصيرة، أو ما كانت مركوزة في الجبلة، فلما تبين لي ما قلت وعرفت حقيقة ما وصفت؛ تأملت قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله أجمعين: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.» وقول الله تعالى: @QUR06 إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا؛ يعني: خالفوه وحاربوه كما تحاربون أعداءكم المشركين، فتبين لي بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقول الله - عز وجل - أن العدو جنسان والعداوة نوعان والجهاد قسمان: أحدهما ظاهر جلي، وهو عداوة الكفار والمخالفين في الشريعة وحربهم وجهادهم، والآخر باطن خفي وهو عداوة الشياطين المخالفين في الجبلة المتضادين في الطبيعة، وتبين أن حربهم وعداوتهم وخلافهم هي الحقيقة، وعداوة الكفار، وحربهم هي العرضية.

وذلك أن عداوة الكفار هي من أجل أسباب دنيوية وعداوة الشياطين من أجل أسباب دينية وأن غلبتهم وظفرهم يعرض منها شقاوة الدنيا ويفوت العز والسلطان والتمتع باللذات الدنيوية ونعيمها وطيب عيشها، ثم تزول يوما ما، وأما عداوة الشياطين وغلبتهم وظفرهم فيعرض منها شقاوة الآخرة وعذابها ويفوت عزها وسلطانها ونعيمها ولذاتها وسرورها وفرحها وروحها وريحانها ودوامها، فبحسب التفاوت ما بين هذين الأمرين، قال النبي - صلى الله عليه وآله: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.» وما ذكر الله سبحانه في القرآن في عدة سور في آيات كثيرة من التحذير من مكر الشياطين والغرور بخطراتهم، والأمر بمخالفتهم وعداوتهم والجهاد لهم؛ إذ كان الخطب فيهم أجل والخطر أعظم، بحسب التفاوت ما بين السعادتين في الدنيا والآخرة والشقاوة فيهما.

فلما تبين لي ما ذكرت وعرفت حقيقة ما وصفت؛ تبين لي أعدائي وشياطيني ومخالفي ومن يريد أن يغويني عن رشدي ويضلني عن هداي الذي دعاني إليه ربي وإلهي وأوصاني به وما نصحني نبيي - عليه السلام - ببيانه لي، وعلمت أني إن لم أقبل وصية ربي ونصيحة نبيي وأني متى توانيت وتركت الاجتهاد في مخالفة أعدائي وعداوتهم غلبوني وظفروا بي وأسروني وملكوني واستخدموني في أهوائهم ومراداتهم المشاكلة لأفعالهم السيئة، وصارت تلك الأشياء عادة لي وجبلة في وطبيعة ثانية، فتصير نفسي الناطقة - التي هي جوهرة شريفة - شيطانة مثلهم، فأكون قد هلكت وبقيت في عالم الكون والفساد مع الشياطين معذبا كما قال الله سبحانه: @QUR06 كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها الآية، وكقوله تعالى: @QUR03 لابثين فيها أحقابا الآية.

Bog aan la aqoon