111

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

ويقال: إن المعدة قدر الطعام، ونارها حرارة الكبد، فإذا لم ينطبخ كان سبب الأمراض المختلفة، فحسب ابن آدم أكلات تعمر بطنه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس.

ومن خصال الزهاد وشعارهم العفة والتصون؛ فهذه خصلة يتبعها أخلاق جميلة وخصال محمودة وفضائل كثيرة، فمنها الكف والورع والحفظ والوقار والتقى والأمانة والمروءة والكرم واللين والسكون والمراقبة والتوقي والصحة والسلامة وحسن الثناء عليهم والتزكية لهم والغبطة والسرور ومحبة القلوب وبراءة الساحة وسكون الناس إليهم والثقة بهم والإجلال لهم والإكرام، ومن خصال الزهاد أيضا وشعارهم السخاء والكرم والجود والبذل والمواساة والإحسان والإيثار والإفضال والرأفة والرحمة والتودد والبر والمعروف والصدقة والهدية، ومن خصالهم أيضا وشعارهم الحلم والأناة والتثبت والرزانة والتؤدة والرفق والمداراة والسكينة والوقار والحياء والصفح والعفو والتغافل والشفقة والرحمة والعدل والنصفة والمحبة والقبول والإجابة والتواضع والاحتمال، ومن خصالهم أيضا الرضا والقناعة والتجمل والكفاف واليأس من الطمع والراحة من العناء والتسليم للقضاء والصبر في الشدائد والبلوى وحسن العزاء.

ومن خصالهم وشعارهم التوكل على الله والثقة به والطمأنينة إليه والإخلاص له في العمل والدعاء والصدق بالقول والتصديق في الضمير والنصح للإخوان والوفاء بالعهد والحزم والعزم في عمل الخير والإحسان والبر والمعروف والمسارعة في الخيرات رغبا ورهبا، وهم من خشية ربهم مشفقون، فهؤلاء هم أولياء الله وخالص عباده من المؤمنين الذين يحبون الله ويحبهم - كما ذكر بقوله: @QUR05 والذين آمنوا أشد حبا لله وهم الذين يتمنون لقاءه لما يرجون من التحية، قال الله تعالى: @QUR04 تحيتهم يوم يلقونه سلام، فهل لك يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن ترغب في صحبتهم وتقصد مناهجهم وتقفو أثرهم وتتخلق بأخلاقهم وتسير بسيرتهم، لعلك تفوز بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون.

واعلم يا أخي بأن الطريق إلى هذه الخصال التي وصفناها هو أن تبتدئ أولا بسنة الناموس فتعمل بوصايا صاحبه كما هي في كتب النواميس الإلهية يعرفها أكثر علماء أهل الشريعة قد استغنينا عن ذكرها، والذي نوصيك به نحن أن تنزع عن نفسك القشور التي تعلقت عليها من صحبة الجسد، وتخلع اللباس الذي أحاط بها من الأمور الطبيعية والصفات الجسمانية وتجلو عنها الصدأ الذي تركب عليها من أخلاط البدن وسوء الأخلاق وتراكم الجهالات وفساد الآراء، وتنحي عنها هذه الأشياء ليصفو لك اللب والمخ وهو جوهر نفسك النيرة الشفافة الروحانية النورانية التي هي كلمة من كلمات الله وروح منه نفخها في الجسد وأحياه بها، وهي التي مدحها الله تعالى بقوله: «ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» الآية، وقال: @QUR07 إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه؛ يعني به روح المؤمن إذا فارقت الجسد صعد بها إلى سعة السماوات وفسحة الأفلاك فيكون سائحا هناك حيث شاء ذهب وجاء، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح بالنهار في الجنة على رءوس أشجارها وأنهارها وثمارها، وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش.» فهذه حال أرواح المؤمنين الصالحين بعد الموت، وأما حال أرواح الكافرين والفاسقين والفاجرين والمنافقين فلا يصعد بها إلى هناك بل تحجب دون السماء وتهيم في هاوية البرزخ إلى يوم يبعثون، وإليهم أشار بقوله تعالى: @QUR08 لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة إلى قوله: @QUR03 وكذلك نجزي الظالمين؛ لأنه لا يليق بها ذلك المكان الشريف والمحل الأعلى، كما لا يليق بالأوساخ من الناس والأقذار منهم مجالس الملوك والسادة والكرام.

فإن أردت يا أخي أن تعرج بروحك إلى هناك بعد فراق الجسد؛ فاجتهد قبل ذلك، واغسلها من درن الأخلاق الرديئة ووسخ الآراء الفاسدة، وأخرجها من ظلمات الجهالات المتراكمة وجنبها الأعمال السيئة، وألبسها لباس التقوى، وزمها عن الانهماك في الشهوات الجرمانية والغرور باللذات الجسمانية، فأما الآراء الفاسدة فقد بيناها في رسالة لنا، وأما كيفية الخروج من الجهالات المتراكمة فقد بيناها في إحدى وخمسين رسالة عملناها في فنون العلوم وغرائب الحكم وطرائف الآداب، وأما تهذيب الأخلاق فقد وصفنا بعضها في هذه الرسالة وبعضها في رسالة عشرة إخوان الصفاء والأصدقاء الكرام، فاقرأهما واعمل بما ذكرنا فيهما وعلمهما إخوانك وأصدقاءك؛ فإنك بذلك تفوز وتنال الزلفى عند ربك أبد الآبدين ودهر الداهرين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

(15) فصل في بيان علامات أولياء الله عز وجل وعباده الصالحين

واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن لأولياء الله صفات وعلامات كثيرة يعرفون بها، ويمتازون عمن سواهم، وهكذا أيضا لأعداء الله علامات وصفات يعرفون بها ويمتازون عن غيرهم؛ نحتاج أن نذكر طرفا منها ليعلم كل عاقل فهم مميز مستبصر إذا أراد أن يعرف من أي الفريقين هو لم يخف عليه ذلك.

واعلم يا أخي بأن العاقل الفهم المستبصر هو الذي يعرف الفرق بين الأشياء المتشابهة، ويميز بين الأمور المتجانسة، ويفضل بعضها على بعض بعلامات وصفات مختصة بواحد واحد منها.

فنقول الآن: إن من إحدى علامات أولياء الله الصالحين المختصين به ما ذكره الله تعالى بقوله لإبليس اللعين: @QUR06 إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وحكي أيضا قول إبليس مجاوبا له: @QUR08 فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين، وآيات كثيرة في القرآن في ذكر أولياء الله وصفاتهم وعلاماتهم وهي مثل قوله تعالى: @QUR011 وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون ... إلى آخر الآيات، وآيات كثيرة في القرآن في ذكر أولياء الله تعالى ومدحهم وصفاتهم وعلاماتهم وحسن الثناء عليهم.

ومن علاماتهم وصفاتهم أيضا حفظ الجوارح من كل ما لا يحل في الشريعة، ولا يجوز في السنة، ولا يحسن في المروءة، ومن علاماتهم وصفاتهم حفظ اللسان عن الكذب والغيبة والبهتان والزور والنميمة والفحش والسفاهة والطعن واللغو والوقيعة في أحد من الخليقة عدوا كان أو صديقا، مخالفا كان أو مؤالفا، ومن علاماتهم أيضا وصفاتهم وهي العمدة والأصل في جميع الخيرات والخصال المحمودة سلامة الصدر من الغل والغش والدغل والحسد والبغض والكبر والحرص والطمع والمكر والنفاق والرياء وما أشبهها من الخصال المذمومة، ومما هي مملوءة منها قلوب أبناء الدنيا الراغبين فيها، المكبين عليها، الطالبين لها، ومن علاماتهم أيضا وصفاتهم المختصة بهم الرحمة والتحنن ورقة القلب على كل ذي روح يحس بالآلام، ومن خصالهم أيضا النصيحة والشفقة والرفق والمداراة والتلطف والتودد لكل من يصحبهم ويعاشرهم.

Bog aan la aqoon