صرحت التوراة «3» بالبرص، وصريح الكتاب العزيز بأن بياضها من غير سوء، وفي القلب حسيكة «1» من ذلك في بادئ الرأي، لكن الجمع على الممارس الفهم غير عسير.
وبيانه: أن البرص/ عبارة عن عرض ينشأ عن سوء مزاج يحصل بسببه تلزج بلغم تضعف القوة المغيرة عن إحالته إلى لون الجسد.
ومعلوم أن بياض يد موسى عليه السلام ما نشأ عن سوء مزاج، لأن كل أحد إذا ساء مزاجه على نهج ما وصفناه، حصل له ذلك، وإذا قويت القوة المغيرة إحالته، فحينئذ تذهب خصوصية الإعجاز. بل بياضها كان من قبيل المعجز الخارق.
وشأن المعجز الخارق أن يكون مخالفا للمعهود المألوف، وإلى هذا المعنى إشارة الكتاب العزيز بقوله: من غير سوء. أي أن الله أقدر موسى على أن/ يجعل يده برصاء من غير سوء، وأن يردها إلى لون جسده، من غير قوة مغيرة، ليحصل له بذلك خصوصية بإجراء المعجز الخارق المخالف للمعهود على يده.
وإنما يكون معجزا مخالفا للمعهود؛ إذا أتى بالمسبب منفكا عن سببه العادي، الذي لا ينشأ إلا عنه، ثم عبر عنه بالبياض الذي هو من لوازمه، هذا جمع واضح.
ومما يوهي معتقداتهم في هذه المسألة؛ أن قاعدة الفيلسوف في النفس وتعلقها، إن كانوا جازمين بثبوتها، ومستند جزمهم حسن الظن بالقائلين بها، وهم غير قادرين على الإتيان/ ببراهينها، ظنا منهم أن القائلين بها قد اخترعوا من العلوم الخفية، ما يرجع الفكر ناكصا عن إدراكها، لخفاء مأخذها وصعوبة مبانيها.
Bogga 30