ثم إن مثل هذا القياس لا يسامح الفروعي نفسه في استعماله، بل هو من الأقيسة [المهجورة] «4»، المسمى بقياس التعقيد، وهو أن يحاول إثبات حكم خفي، فيثبته بما هو أخفى منه، أو بما يحتاج في إثباته إلى إعمال الفكر واستخراجه/ بالأدلة الغامضة، كالنفس، القائل بها الفيلسوف، التي لا يتخيل وجودها إلا بتعقيدات وغموض في المأخذ، وإذا كان هذا «5» مهجورا في الفروع المبنية على أيسر ظن، فكيف يعول عليه في الأصول المتعلقة بذات واجب الوجود «1»؟! وكيف يتم ادعاء ذلك، ومناط الحكم لو عثر عليه، لاقتضى أن لا يكون للإله تعلق بذات أحد من البشر على حد تعلق النفس بالبدن، لأنهم يقولون: إن كل نفس تعلقت ببدن فشرط تعلقها به أن يكون بينها وبينه مناسبة وملاءمة، لأجلها كان التعلق.
والإله- جل اسمه- منزه عن مثل ذلك/. ثم لو سلم لهم ذلك، وأن التعلق الذي حاولوه متصور على وفق الآراء الفلسفية، لم يحصل لهم به غناء ولم ينهض ذلك بمقصودهم في إثباتهم الإلهية لعيسى عليه السلام.
لأن الفيلسوف يقول: إن للنفس بالبدن تعلقا تدبيريا، وأن اللذة والألم يحصلان لهما بواسطة تعلقها به، إذا انفعلت القوة الحساسة بالملائم والمنافي، ومحال أن يراد هذا التعلق بجملته مع ما ذكر، لأن حصول اللذات لذات الباري محال.
بقي أن تؤخذ هذه النسبة التدبيرية مجردة عن حصول اللذات، وهذا أيضا غير مجد، لأن الخالق مدبر/ لكل فرد من أفراد العالم، وله إلى كل مخلوق نسبة تدبيرية.
فإن قيل: المراد نسبة ظهر أثرها في خرق العوائد؛ كإحياء الميت وغير ذلك، فيدل إذ ذاك على المقصود.
فالجواب: أن مثل هذه النسبة التي يتمكن المتصف بها من الإتيان بخرق العوائد، ثابتة لغير عيسى عليه السلام، فإنهم معترفون بأن موسى عليه السلام قلب العصا ثعبانا.
وهل إحياء الميت إلا عبارة عن اتصاف الجماد بالحيوانية؟
Bogga 28