أي عقل وأي فهم يصل إلى سر ما شرعته «الطبيعة» ؟! وأي إدراك يحيط بمثل ما أحاط به، وقد جعلت الطبيعة حق المأكل والمشرب والبضاع، مشاعا بين الآكلين والشاربين والمباضعين بدون أدنى تخصيص، فما الحامل للإنسان على حرمان نفسه من بضاع بنته وأمه وأخته، ثم تركهن لغيره يتمتع بهن انقيادا لما يخيله له الوهم، مما نسميه شريعة وأدبا؟!
وأي حق يستند إليه من يدعي ملكية خاصة في مال يتصرف فيه دون سواه، مع أنه شائع بينه وبين غيره؟!
وأي وجه لمن يحجر على امرأة دخلت في عقده، ويحظر على الناس نيلها، وقد خلق الذكر للأنثى والأنثى للذكر؟!
وماذا يوجد من العدل في قانون يحكم: بأن المال الشائع إذا تناولته يد مغتصب - بما يسمونه بيعا وشراء أو إرثا - يكون مختصا بذلك المغتصب، ثم يحكم على الفقير المحروم - إذا احتال لأخذ شيء من حقه والتمتع به - بأنه خائن أو غاصب؟!
فإن كان هذا شأن تلك القوانين الجائرة، فعلى الإنسان أن يفك أغلالها من عنقه، ويطرح كل قيد عقدته القوانين والشرائع والآداب، التي لا واضع لها سوى العقل الإنساني الناقص، وليرجع إلى سنة الطبيعة المقدسة، ويقضي حق شهوته من اللذائذ التي أباحتها له بأي الوجوه، ومن أية الطرق، ويأخذ في ذلك مأخذ البهائم، وعليه أن يقاوم الغاصبين المتحكمين في الحقوق قسرا - أي المالكين للأموال والأبضاع - فيخرجهم عن سوء فعالهم من الغصب والجور؛ أي حق التملك!
فلما ذاعت هذه النزعات الخبيثة بين الأمة الفارسية، تهتك الحياء وفشا الغدر والخيانة، وغلبت الدناءة والنذالة، واستولى حكم الصفات البهيمية على نفوسهم، وفسدت أخلاقهم، ورذلت طباعهم.
نعم، إن «أنو شروان» قتل «مزدك» وجماعة من شيعته، ولكنه لم يستطع محو هذه الأوهام الفاسدة بعد ما علقت بالعقول، والتبست نفايتها بالأفكار، فكان علة في ضعفهم، حتى إذا هاجمهم العرب لم تكن إلا حملة واحدة فانهزموا، مع أن الروم - وهم أقران الفارسيين - ثبتوا في مجالدة العرب ومقاتلتهم أزمانا طويلة.
Bogga 11