الأمة الفارسية
الأمة الفارسية بلغت فيها الأصول الستة، أعلى مكانة من الكمال أحقابا طويلة، فكانت لها أصول السعادة، وموارد النعيم، حتى بلغ اعتقاد الفارسيين من الشرف لأنفسهم ، إلى حد أنهم كانوا يزعمون أن السعداء من غيرهم إنما هم الداخلون في عهدهم، المستظلون بحمايتهم، أو المجاورون لممالكهم.
كان الصدق والأمانة أول التعليم الديني عندهم، ووصلوا في التحرج من الكذب إلى حيث كانوا إذا بلغت الحاجة مبلغها من أحدهم، لا يتقدم للاقتراض؛ خوف أن يضطره الدين إلى الكذب في مواعيد وفائه، فارتفعوا بهذه الخصال إلى درجة من العزة، وبسطة الملك، يلزم لبيانها كتاب مثل الشاهنامة (¬1) .
قال المؤرخ الفرنسي «فرنسيس لونورمان» : إن مملكة فارس على عهد دارا الأكبر كانت إحدى وعشرين إيالة: واحدة منها تحتوي مصر وسواحل القلزم «البحر الأحمر» ، وبلوخستان، والسند، وكانوا إذا ألم الضعف بسلطانهم في زمن من الأزمان، بعثتهم تلك العقائد القويمة والصفات الكريمة على تلافي أمرهم، فخلصوا مما ألم بهم في قليل زمن، ورجعوا إلى مكانتهم الأولى ومجدهم الأعلى.
مزدك الدهري (¬2)
ظهر فيهم «مزدك» الدهري على عهد «قباد» وانتحل لنفسه لقب «رافع الجور ودافع الظلم» ، وبنزعة من نزعاته، قلع أصول السعادة من أرض الفارسيين، ونسفها في الهواء وبددها في الأجواء، فإنه بدأ تعاليمه بقوله: «جميع القوانين والحدود والآداب - التي وضعت بين الناس - قاضية بالجور، مقررة للظلم، وكلها مبني على الباطل، وإن الشريعة الدهرية المقدسة لم تنسخ حتى الآن، وقد بقيت مصونة في حرزها عند الحيوانات والبهائم...» .
Bogga 10