المسلمين، فصار التحريم من هذه الجهة. ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك.
وأما إذا قدّر أن الرجل سافر إليها لغرض مباح فهذا جائز وليس من هذا الباب.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم.
وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي ﷺ فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة لم يخرج أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي ﷺ. ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي ﷺ لم يكرهه عالم المدينة.
والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك من الأحاديث إلا حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «ما من رجل يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ ﵇» «١». وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه.
وكذلك مالك في الموطأ روى عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا دخل المسجد قال:
«السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت» ثم ينصرف «٢».
وفي سنن أبي داود عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني» «٣». وفي «سنن سعيد بن منصور» أن الحسن بن
_________
(١) أخرجه أحمد (٢/ ٢٢٧) وأبو داود (٢٠٤١) والبيهقي (٥/ ٢٤٥) وإسناده حسن كما في «الصحيحة» (٢٢٦٦).
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» ٩ - كتاب: قصر الصلاة، ٢٢ - باب: ما جاء في الصلاة على النبي ﷺ (١/ ١٠٧/ ٦٨) والبيهقي (٥/ ٣٤٥) والقاضي إسماعيل الجهضمي في «فضل الصلاة على النبي ﷺ» ص ٨٣، ٨٤ رقم (٩٨، ٩٩، ١٠٠). من طريقين إسنادهما صحيح، كما قال الألباني في «تحقيقه على فضل الصلاة».
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٣٦٧) وأبو داود (٢٠٤٢) وابن فيل في «جزئه» كما في «جلاء الأفهام» لابن القيم ص ١٠٧ والبيهقي في «شعب الإيمان» (٣/ ٤٩١/ ٤١٦٢).
من طريق: عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا.
وهذا إسناد حسن، عبد الله بن نافع في حفظه لين.
وقد حسن إسناده العلامة الألباني في «أحكام الجنائز» ص ٢٨٠ و«تحذير الساجد» ص ٩٦ - ٩٧.
وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب ﵁:
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٤/ ٣٤٥).
وأبو يعلى في «مسنده» (١/ ٣٦١ - ٣٦٢/ ٤٦٩).
والبزار (١/ ٣٩٩ - ٣٤٠/ ٧٠٧) كشف.
والبخاري في «التاريخ الكبير» (٢/ ١٨٦).
وعبد الرزاق في «مصنفه» (٣/ ٥٧٧/ ٦٧٢٦).
والقاضي إسماعيل الجهضمي في «فضل الصلاة على النبي ﷺ» (٢٠).
1 / 38