طرقتكَ سُعدى بين شطي بارق ... نفسي الفداءُ لطيفها من طارق
يا دير حنظلة المُهيج للبكا ... هل تستطيع دواء داء العاشقِ
وبالجزيرة دير علقمة، بناه علقمة بن عديّ اللخمي وفيه يقول عديُّ بن زيد العُبادي، وفيه غناء:
نادمتُ بالدير بني علقما ... عاطيتهم مشمولةً عندما
كأنَّ ريح المِسْكِ في كأسها ... إذا مزجناها بماءِ السَّمَا
من سَرَّهُ العيشُ ولذاتهُ ... فليجعلِ الراحَ له سُلما
فاشرب على الدير ولذاته ... إذا اشتهيت اليومَ أن تنعما
وكان متنزهًا لأُمراء الحيرة يأكلون عنده ويشربون وكثيرًا ما تنزه فيه أمراء الحيرة، وبها دير حنظلة بن عبد المسيح اللخمي الذي يقول فيه الشاعر:
بساحَة الحيرة دير حنظلة ... عليه أذيال السرور مُسبلة
أحيَيْتُ فيه ليلةً مقتبلة ... وكأسنا بين الندامى مُعْملة
والراحُ فيها مثل نارٍ مُشعلة ... وكلُّنا أنفذ ما قد خُوِّلَهْ
فيها يلذُّ عاصيًا من عذله ... مبادرًا قبل يلاقي أجله
قال أبو الفرج الأصبهاني: وبالحيرة دير هندٍ بنت النعمان ابن المنذر، ودخل عليها خالد بن الوليد فقال لها: أسلمي حتى أُزوجك رجلًا من المسلمين شريفًا أصيلًا يُشبهك في حسبك، فقالت: أما ديني فمالي عنه رغبة، ولا أبغي به بدلًا، وأما التزويج، فلو كانت فيَّ بقية ما تزوجت ولا رغبت فيه، فكيف وأنا عجوز، هامة اليوم أو غد؛ قال لها: فسليني حاجة أقضيكِها، قالت: أكبر حاجتي هؤلاء النصارى الذين في ذمتكم، قال: نعم هذا فُرض علينا في ديننا، أَوصانا به نبينا (ص) فهل غير هذا؟ قالت: أنا في هذا الدير ملاصقة لهذه الأعظم البالية من أهل بيتي وملتي ألحق بهم، وأَمَرَ لها بمالٍ وكسوةٍ، فقالت: ما لي بشيء مما بذلته حاجة، معي عبدان يزرعان مزرعة أتقوت منها بما يُمسك رمقي، وأصرف ما بقي في ضعفاء أهل ديني، وقد اعتددتُ بقولك فعلًا، وبِعدَتِك نقدًا، ولكن اسمع مني دعاءً كان يدعو به مُلاكنا، لا ملكتك يد افتقرت بعد غَناء ولا ملكتك يد استغنت بعد فقرٍ وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا أزال عن كريم نعمة، إلا جعل سبب ردِّها على يديك بِك.
ودخل عليها المغيرة بن شُعبة وهو يلي الكوفة فحادثها، ثم قال لها: فيم كانت لذةُ أبيك؟ قالت: في محادثة الرجال وشرب الجريال، قال: إني جئتك خاطبًا فضحكت وقالت: والصليب، فما ذاك رغبةً منك في مالٍ، ولا تمتعًا بجمالٍ، ولكنك أردت أن تفخر وتقول إني قد نكحتُ ابنة النعمان بن المنذر، وإلا فأَيُ خير في شيخٍ أعور وعجوز عمياء.
وكان بعد ذلك شباب الكوفة يخرجون إلى هذا الدير متنزهين، يأكلون في رياضة ويشربون وفيه يقول الشاعر:
ألا ليت شِعري هل أبيتَنَّ ليلةً ... لدى ديرِ هندٍ والحبيبُ قريبُ
فتقضى لُبانات، وتُلقى أحبَّةٌ ... ويورق غصن للشباب رطيبُ
وفيه يقول الآخر:
لئن طال في بغداد ليلي لربما ... يُرى بجنوبِ الدير وهو قصيرُ
وفيه يقول حسان بن ثابت:
يا دير هند لقد أصبحتَ لي أنسًا ... ولم تكن قطُّ لي يا دير مئناسا
سَقيًا لِظِلك ظِلًا كنتُ آلفهُ ... فيه أُعاشر قِسيسًا وشماسا
قِدمًا وكانت الأوقات من طربٍ ... ومن سرورٍ به يا قوم أعراسا
لا أعدمُ اللهو في أرجاء هيكله ... ولا أردُّ على الساقي به الكاسا
وكان لإسحق بن إبراهيم غلامٌ قد رباه وعلمه فصار من أحذَقِ الناس فنفد له النبيذ يومًا فكتب إلى إبراهيم بن المهدي: جُعلت فداءَ الأمير، حضرني بيتٌ فصنعتُ فيه لحنًا ووجهته إلى الأمير وأمرتهُ بإنشاده إياه. قال: فصار إلى إبراهيم فغناهُ الصوت وهو:
نديمي قد خَفَّ الشرابُ ولم أجد ... له سورةً في عظم رجل ولا يد
فضمَّ له إبراهيم هذا البيت:
فدونك هذا الرِّيّ فاشرب مُسلمًا ... فلا خير في الشرب القليل المُصَردِ
وبعث إليه ثلاثة أبغُل عليها ألوان من الشراب مجللة بأثواب الديباج وثلاثة غلمان روم وأجاز زيدًا بجائزة سنية.
1 / 2