وفيك إبراهيم إذ وطئ الثرى ... ضحى قدم برهانها متقادم
وله ﵀ في الزهد عن لزوم مالا يلزم: " الطويل "
أمرت إلهي بالمكارم كلها ... ولم ترضا إلا وأنت لها أهل
فقلت اصفحوا عمن أساء إليكم ... وعودوا بحلم منكم إن بدا جهل
فخل لجهول خاف صعب ذنوبه ... لديك أمان منك، أو جانب سهل؟
ومن قوله في الزهد والتوحيد والثناء على الله ﷾: " الطويل "
إلهي إني شا كرلك حامد ... وإني لساع في رضاك وجاهد
وإنك مهما رلت النعل بالفتى ... على العائد التواب بالعفوا عائد
تباعدت مجدا وأدنيت تعطفا ... وحلما فأنت المدني المتباعد
ومالي على شيء سواك معول ... إذا دهتنبي المعضلات الشدائد
أغيرك أدعو لي إلهنا وخالقا ... وقد أوضح البرهان أنك واحد
وكيف يضل القصد ذو العلم والنهى ... ونهج الهدى من كان نحوك قاصد
وهل يوجد المعلول من غير علة ... إذا صح فكر أو رأى الرشد راشد؟
وفي كل معبود سواك دلائل ... من الصنع تنبي أنه لك عايد
وكل وجود عن وجودك كائن ... فواجد أصناف الروى لك واجد
وكم لك في خلق الروى من دلائل ... يراها الفتى في نفسه ويشاهد
وهو القائل: " الطويل "
أخو العلم حي خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظن من الآحيأ وهو عد يم
ابن السيد أبو العلاء
وكان المعري من بين جميع الشعراء أكثر إعجابا، وأوسع تأثيرا، وقبولا عند المغاربة، ولم يكد يظهر شعره في الشرق، حتى ذاع صيته في الأندلس، ووصلت دواوين شعره وجميع آثاره أليها في حياته وتلقاها الناس بالقول، ووجدت لها جوا مناسبا وبيئة صالحة لذيوعها وانتشارها، وأقبل الشعراء، والأدباء، والعلماء، على حفظها ودراستها، كما أقبل عليها الأمراء، واعجبوا بها إعجابا كبيرا، حتى أن أبا بكر، محمد بن عبد الله المظفر، صاحب بطليموس، وأديب ملوك عصره " كان ينكر الشعر على قائله في زمانه، ويفيل رأى من ارتسم في ديوانه، ويقول: من لم يكن شعره مثل شعر المتنبي أو المعري فليسكت ولا يرضي بدون ذلك ".
وكانت آثاره قد دخلت الأندلس، إما بطريق الراحلين من الأندلس إلى المشرق وإما بطريق الوافدين من المشارقة على الأندلس. فمن الراحلين إلى المشرق، الآخذين عن المعري، أبو الربيع سليمان بن أحمد السرقسطى، وأبو تمام غالب بن عيسى الأنصاري الأندلسي، وأبو عبد الله بن جابر القرطبي. ومن الوافدين على الأندلس، من تلاميذ المعري، أبو الفضل البغدادي، وأبو عمرو السفاقسى وغيرهما.
وكذلك فان الأندلسيين قد تناولوا آثار المعري شرحا ومعارضة. فمن المعارضين له، أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي، صاحب رسالة " الساجعة والغريب "، التي عارضه بها في " الصاهل والشاحج " " كما عارضه في خطبة الفصيح، وسقط الزند بالإصلاح وثمرة الأدب. وأبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الذي عارضه في " خطبة الفصيح " بكتاب سماه " جهد النصيح "، وأبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطى، صاحب " المقامات اللزومية الشهيرة "، وأبو عبد الله بم مسعود ابن أبي الخصال الغافقي، وزير يوسف بن تاشفين، وصديق صاحبنا ابن السيد، كان قد عارض المعري في ملقى السبيل.
أما صاحبنا، أبو محمد ابن السيد، فأنه لم يكن من المعارضين للمعري، وإنما كان من المعجبين به، المعتنين بآثاره، الشارحين لها. فقد درس شعره، وحفظه، وفهمه حق الفهم. وقدره حق قدره. انظر إليه كيف يعترف بمكانة المعري وشعره وفنه: " ولمعري إنه لشعر قوي المباني، خفى المعاني، لأن قائله، سلك به غير مسلك الشعراء، ضمنه نكتا من النحل والآراء، وأراد أن يرى معرفته بالأخبار. والأنساب، وتصرفه في جميع أنواع الآداب، فاكثر فيه من الغريب، والبديع، ومزج المطبوع بالمصنوع، فتعقدت ألفاظه، وبعدت أغراضه ".
1 / 32