وتمكنوا من الولاية على البيت الحرام الذي يتمتع بمكانة دينية عند العرب، فكانوا يقومون على خدمة الحجاج القادمين إلى مكة من مختلف البلاد العربية، ويتنافسون في إطعامهم وسقايتهم، مما جعل القبائل العربية تجل قريشا وتقدر صنيعها، حتى أن قوافلهم كانت تتنقل في البلدان آمنة دون القوافل الأخرى، فمكنهم ذلك من تحريك تجارتهم في مختلف الجهات، وإقامة أسواق في ديارهم يفد إليها الناس من سائر القبائل والبلدان المجاورة، إضافة إلى أن زعماء قريش أقاموا شبكة من العلاقات بالدول المجاورة والقبائل ذات النفوذ في جزيرة العرب، وبذلك استقرت أوضاعهم التجارية والأمنية، وقد ذكر الله قريشا بتلك النعمة، فقال تعالى: ? لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)?(قريش).
وبهذا ندرك الحكمة من اختيار مكة لتكون موطن الدعوة الإسلامية الجديدة، فقد كانت بالنسبة للعرب قبلة الدنيا والدين، وفيها قريش أبناء إسماعيل، وقدوة القبائل العربية ومحل احترامهم.
***
ومنذ فجر الدعوة الإسلامية احتلت قريش مكانة ملحوظة في اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان شديد الحرص على استجابتها للإسلام، وبذل لذلك ما بوسعه؛ لأنه كان يدرك أن القبائل العربية المنتشرة في أرجاء الجزيرة تتأثر بموقف قريش قبولا ورفضا؛ لما كانوا يتمتعون به من زعامة دينية، باعتبارهم سدنة البيت الحرام، وأهل جواره، والقائمين على خدمة الحجيج، وبقية ولد إسماعيل.
Bogga 8