ثم اعلم أيها السائل أن القياس يخرج على معنيين: أحدهما ثابت صحيح، والآخر باطل قبيح.
فأما المعنى الباطل منهما فهو قول القائل: قاس فلان ويقيس فلان، يريد بذلك قياسا على غير الكتاب، يضرب بعض القول ببعض، ويقيس براي نفسه على رأي غيره، ويشبه مذهبه في القياس بمذهب غيره، فيخرج قياسه قياسا فاسدا، لا يجوز هذا القياس في الدين، ولا يثبت في أحكام المسلمين، بل من تعاطى قياسا على ما ذكرنا، أو قولا مما(1) شرحنا؛ كان محيلا مبطلا، فاسد(2) المذهب جاهلا.
والمعنى الذي يثبت في كل معنى، ويكون دليلا على النور والهدى، فهو: أن يكون العالم المتبحر في علمه، المتمكن في فهمه، إذا ورد عليه أمر قاسه على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى قولنا: قاسه، فهو دبره ونظره، وفكر فيه وميزه، واستعمل في استخراجه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عقله، فغاص عند نزول النازلة، في بحور الكتاب والسنة، حتى استخرج باستدلاله علم حاجته من كتاب ربه، وسنته التي أنزلها على نبيه. فهذا المعنى هو القياس الصحيح.
ومعنى اسم القياس هاهنا من قول القائل: قاس؛ فإنما هو استدل، وأصاب وميز، فاستخرج بقياسه وتمييزه؛ الصواب من كتاب ربه، ووقف بجودة تمييز قياسه(3)، وغوصان لبه على طلبته، وجال(4) بما ركب الله في صدره من ثابت لبه، إذ أجاد استعماله في حاجته؛ ما طلب من علم نوازل الأحكام، ووقف بذلك على معرفة أصول دين الإسلام، فكان بقياسه وتمييزه؛ رادا لفروع دينه إلى أصوله، فالتأم له بالتمييز والنظر، وجودة إنصاف العقل والفكر ما افترق، وارتتق له بذلك في الأحكام ما انخرق.
Bogga 685