Sheekada Falsafada Casriga
قصة الفلسفة الحديثة
Noocyada
لقد أدرك «شوبنهور» وهو في كهولته الناضجة أن النظرية التي ارتآها في الفن - وخلاصتها التغلب على الإرادة وطرحها جانبا لنتأمل الحقيقة الموضوعية الخالدة الشاملة - تصلح أيضا أن تكون نظرية للدين، فلقد نشأ «شوبنهور» نشأة لم يكن للدين فيها إلا جانب ضئيل جدا، ولم تنزع به ميوله إلى احترام النظم الكنسية السائدة في عصره، حتى لقد احتقر رجال اللاهوت ووصف الدين بأنه «ميتافيزيقا الجماهير»، ولكنه لما اكتهل واكتمل نضوجه أخذ يدرك في بعض الشعائر والمعتقدات الدينية المسيحية معنى عميقا وفلسفة تشاؤمية عويصة، فجوهر المسيحية قائم على مذهب الخطيئة (وهي في أساسها تقرير للإرادة) والتكفير (وهو إنكار للإرادة) هذا وإن الصوم الذي يفرضه الدين وسيلة قوية فعالة في إخماد الرغبات التي يستحيل أن يؤدي وجودها إلى السعادة، بل مؤداها لا بد أن يكون إما إلى خيبة وفشل أو إلى التطلع إلى رغبة أخرى. «إن القوة التي استطاعت بها المسيحية أن تتغلب على اليهودية أولا، ثم على وثنية اليونان والرومان، إنما تنحصر في تشاؤمها فقط، أي في اعترافها بأن حالنا شديدة البؤس ومسرفة في الخطيئة، مع أن اليهودية والوثنية جميعا كانتا متفائلتين.» لقد حسبت اليهودية والوثنية أن الدين رشوة يقدمها الإنسان إلى الآلهة لتعينهم على نجاحهم الدنيوي، أما المسيحية فقد رأت للدين غرضا غير طلب السعادة في هذه الدنيا؛ لأنها رجاء هيهات أن يتحقق، ولقد نهضت في عالم يملؤه الترف والزهو بالسلطان الدنيوي فرفعت مثلها الأعلى الذي صورته في حياة القديس المتعبد الذي يستطيع أن يهزم الإرادة الفردية هزيمة منكرة.
والبوذية أعمق من المسيحية؛ لأنها تجعل عدم الإرادة غاية الدين، ولا ريب في أن الهنود أبعد غورا من مفكري أوروبا؛ لأنهم يفسرون الدنيا بالشعور والبصيرة لا بالحس والعقل، إن العقل يقسم كل شيء، أما البصيرة فتوحد كل شيء، وقد رأى الهنود أن ال «أنا» وهم وخداع، وأن الفرد شبح زائل، أما الحقيقة الوحيدة فهي «الواحد اللانهائي». إن كل من يصفو بصره وبصيرته، بحيث يرى أننا جميعا أعضاء من كائن عضوي واحد، وأننا تيارات ضئيلة في خضم الإرادة فهو «لا شك بالغ كل فضيلة وكل نعيم، وهو سائر على طريق قويم نحو التحرر.» ولا يظن «شوبنهور» أن المسيحية مستطيعة أن تحصل مكان البوذية في الشرق، ولا يرى لها من أثر في البوذية أكثر من رصاصة أطلقت في جبل شامخ، بل يرى أن الأصح هو أن الفلسفة الهندية تتدفق في أوروبا، وأنها ستغير من معرفة الأوروبيين وتفكيرهم تغييرا عميقا، وأن الأدب الهندي (السنسكريتي) سيقلب وجه الأدب الأوروبي كما فعلت الآداب اليونانية حين ابتعثت في القرن الخامس عشر.
إن الحكمة النهائية إذن هي «النرڨانا»
14
هي أن تنحصر ذات الفرد في أقل حيز ممكن من الرغبة والإرادة، فكلما قلت مثيرات الإرادة لنا قلت آلامنا تبعا لذلك. إن السلام الذي يسمو على العقل كله، إن الهدوء الروحي الكامل، إن الطمأنينة العميقة، هو ما يجب أن يكون لنا إنجيلا ... يجب أن تخلد المعرفة، وتنمحي الإرادة. (7) حكمة الموت
ولكن مهما يكن من أمر الدين، فما زلنا بحاجة إلى ما هو أكثر منه، نعم يستطيع الفرد أن يمحو الإرادة، وأن يتحرر بفضل النرفانا، ولكن ماذا يخلص الإنسانية بأسرها؟ إن الحياة لتضحك من فناء الأفراد؛ لأنها تبقيهم أحياء في نسلهم، ولو أمكن لفرد واحد أن يقهرها بما يختاره لنفسه من العقم، فهنالك إلى جانبه ألوف وألوف تستجيب لداعي الحياة، وتنسل ما يضمن لها البقاء والخلود، فكيف إذن نخلص الإنسان؟ أليس ثمة نرفانا للجنس عامة كما وجدناها للفرد؟
ولئن أردنا أن نهزم الإرادة هزيمة منكرة لا يكون لها قيام بعدها، فلن يكون لنا هذا إلا في استئصال معين الحياة أعني في مقاومة إرادة النسل. «إن إشباع الغريزة الجنسية هو الذي يستوجب المنع البات؛ لأنه أقوى ما يثبت شهوة الحياة.» وليت شعري ماذا جنى هؤلاء الأطفال فندفع بهم إلى الحياة؟ «إننا لو تأملنا الحياة المصطخبة لرأينا الناس جميعا يشتغلون بما تتطلبه من حاجة وشقاء، ويستنفدون كل قواهم لكي يرضوا حاجات الحياة التي لا تنتهي، ولكي يمحوا أحزانها الكثيرة، أوليس عجيبا بعد هذا ألا يكون لديهم من الجرأة ما يجعلهم يفكرون - في شيء آخر سوى الاحتفاظ بهذا الوجود المعذب - أمدا قصيرا من الحياة، أوليس عجيبا أن نرى وسط هذا الصخب نظرات الغزل يتبادلها الحبيبان حين يلتقيان في شوق؟ ولكن لماذا يلتقي الحبيبان تحت ستر الخفاء، وفي شيء من الوجل؟ لأنهما الخائنان اللذان ينشدان دوام هذه الحاجة، وهذا الاستعباد الذي كان سرعان ما ينتهي لولاهما ... ها هو السبب العميق لما يحيط عملية التناسل من خجل.»
وتبعة هذه الجريمة إنما تقع على المرأة؛ لأنه إذا نمت معرفة الرجل نموا يرجح على الإرادة، بل يمحوها فإن فتنة المرأة التي لا معرفة فيها ولا فكر تعود، فتهبط بالرجل إلى التناسل، وليس لدى الشباب من الذكاء ما يكفي أن يعلم أن فتنة المرأة قصيرة الأجل، فإذا ما نضج الذكاء واكتمل العقل ليدرك هذه الحقيقة تكون الفرصة السانحة قد أفلتت، والوقت المناسب قد انقضى.
لقد وهبت الطبيعة الفتاة قسطا من الجمال تغزو به أفئدة الرجال لينهضوا بعبئها عن رضا وطواعية، ولكن الطبيعة في عطائها كانت كعهدنا بها مقترة، فلم تهب المرأة من الجمال إلا بمقدار ما تستطيع أن تتخذ منه أداة لحفز الرجل على التناسل ليستمر بقاء الحياة، حتى إذا ما انقضت مهمتها في ذلك عادت فسلبتها ما كانت وهبتها من فتنة وجمال، وتطوع الرجل للإنفاق على المرأة لم يكن ليتم لو كان العقل وحده هو الذي يوجه أفكار الرجل.
وإن «شوبنهور» ليعجب أشد العجب لهذا الاسم الذي يطلق على النساء جزافا «الجنس اللطيف»، فلا شك أن من يطلق هذا اللقب على ذلك الجنس الضئيل القصير الشائه، هم أولئك الذين أفسدت غرائزهم الجنسية عقولهم، فجمال المرأة كله قائم على الغريزة الجنسية وحدها، وإنه لأقرب إلى الصواب أن نسمي النساء بالجنس الذي لا ذوق له في الفن؛ إذ ليس في مقدورهن تقدير الجمال في شتى الفنون، ولكنهن كثيرا ما يغالطن في الحقائق فيدعين أنهن ذوات فن جميل، بأن يعزفن على الآلات الموسيقية أو يعالجن التصوير، ولكن ذلك منهن كذب ورياء، فهن لا يشغفن إلا بما خلقن من أجله؛ أعني حفظ النوع. إن الرجل يجاهد في العلوم والفنون لتتم له السيطرة على الأشياء سيطرة مباشرة، إما بفهمها أو بالتحكم فيها، أما المرأة فهي بطبيعتها لا تحب أن تسيطر على الأشياء سيطرة مباشرة، ولكنها دائما تقصد إلى السيادة عليها عن طريق سيادتها على الرجل، فالرجل وحده هو ما تصبو المرأة إلى التحكم فيه والسيطرة عليه، ومعنى ذلك أن المرأة ترى في كل شيء وسيلة فقط لغزو الرجل، فإذا ما تظاهرت بميل إلى الموسيقى أو الشعر مثلا فليس ذلك ناشئا عن رغبة طبيعية فيها نحو هذه الفنون، إنما هي تتخذ منها أداة تتجمل بها لتروق في عين الرجل، ولو استعرضت عصور التاريخ جميعا لما وجدت أحدا من النساء قد أبدع في الفن آية فيها أصالة ونبوغ.
Bog aan la aqoon