والأولى في هذا الباب أن يبنى الكلام فيه على مقدمات: أولها: ثبوت إسلامه ومن ثبت إسلامه لا يجوز لعنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لعن المؤمن كقتله)) فإن شك أحد في إسلامه كان بمنزلة من شك في (إسلام) من في عصره وإذا ثبت ذلك فلا يدفع اليقين بالظن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلعن الكفار في الصلاة فأنزل الله سبحانه: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}، فترك الدعاء عليهم واللعن. فإذا كان أمر الكفار في هذا المعنى إلى الله تعالى يتولى جزاءهم فأمر المسلم أولى أن يفوض إليه ذلك ليفعل فيه ما يستحقه المرء. ما ذكر من قتله الحسين بن علي فالذي ثبت عنده أهل الفضل أنه عبيد الله بن زياد لحفظ الكوفة، وكتب إليه أن يمنع من أراد الاستيلاء على الكوفة، فلما قصد الحسين بن علي الكوفة استقبله خيل ابن زياد يمنعوه من دخول الكوفة، فلم يتمكنوا من منعه إلا بقتله، هذا ما ثبت عند أهل النقل، مع ما ظهر من إنكاره قتله ولعنه عبيد الله بن زياد وقوله: قد كنا نرضى منك بدون قتله، وإظهاره النحيب والبكاء لقتله، وأنه جعل يضرب بيده على فخذه ويلعن قتله، وصلب قاتل الحسين، وقال: لقد عجل عليه ابن زياد قتله الله. ولم يثبت ضربه القضيب على أسنانه وإنما ثبت ذلك من فعل ابن زياد بالرواية الصحيحة هذا مع ما روى عن علي بن الحسين قال: ((أدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر غلاما فقال: والله ما علمت بخروج أبي عبد الله -يعني الحسين بن علي- حين خرج ولا بقتله حين قتل)). ثم قال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} الآية. فقال له النعمان بن بشير: اصنع بهم ما كان يصنع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رآهم بهذه الصورة - فبكى بكاء شديدا وبكى أهل الدار حتى علت أصواتهم، ثم قال: ((فكلوا عنهم الغل وفك الغل بيده من عنق علي بن الحسين وأمر بحملهم إلى الحمام وغسلهم وأمر بضرب القباب عليهم، وأمر لهم بالطبخ وكساهم وأخرجهم جوائز كثيرة وقال أبو علي بن شاذان، رواية عن علي بن الحسين، قال: ((أدخلنا دمشق بعد أن شخصنا من الكوفة، فإذا الناس مجتمعون بباب يزيد، فأدخلت عليه وهو جالس على سرير وعنده الناس ساكتون من أهل الشام ومن أهل العراق والحجاز، وكنت قدام أهل بيتي فسلمت عليه فقال: ((أيكم علي بن الحسين؟ فقلت: أنا. فقال: ادنه، فدنوت. ثم قال: ادنه، فدنوت حتى علا صدري على فراشه، ثم قال: أما إنه لو [أن] أباك أتاني لوصلت رحمه وقضيت ما يلزمني من عنقه، ولكن عجل عليهم ابن زياد قتله الله)). فقلت: ((يا أمير المؤمنين أصابتنا جفوة)). فقال: ((يذهب الله عنكم الجفوة)). فقلت: ((يا أمير المؤمنين أموالنا قبضت فاكتب أن ترد علينا)). فكتب لنا بردها وقال: ((أقيموا عندي فإني أقضي حوائجكم وأفعل بكم وأفعل)). فقلت: ((بل بالمدينة أحب إلى قربى خير)). قال: ((لكم)) قلت: ((إن أهل بيتي قد تفرقوا فنأتيهم فيجتمعون ويحمدون الله على هذه النعمة)) فجهزنا وأعطانا أكثر ما ذهب منا من الكسوة والجهاز، وسرح معنا رسلا إلى المدينة وأمرنا أن ننزل حيث شئنا.
قالت فاطمة بنت الحسين: ((دخلنا على نسائه فما بقيت امرأة من آل معاوية إلا تلقتنا تبكي وتنوح على الحسين)).
Bogga 66