بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر يا كريم
الحمد لله مظهر الحق ومبديه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وذويه.
وبعد.. ..
Bogga 23
فهذا تعليق سميته قيد الشريد من أخبار يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين أبو خالد الأموي ولد سنة خمس أو ست أو سبع وعشرين، وبويع له بالخلافة في حياة أبيه، ثم أكد ذلك بعد موت أبيه في نصف رجب سنة ستين، فاستمر متوليا إلى أن توفي في الرابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وستين. وأمه ميسون بنت بحدل بن أنيق بن دلجة بن فناقة بن عدي بن زهير ابن حارثة الكلبي.
روى عن أبيه معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))، وحدثنا آخر في الوضوء عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان.
وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة وهي العليا وقال: له أحاديث.
وكان كثير اللحم، عظيم الجسم جميلا صخم الهامة، محدد الأصابع غليظها مجدرا.
Bogga 24
وكان أبوه قد طلق أمه وهي حامل به، فرأت في المنام أنه خرج منها قمر من قبلها، فقصت رؤياها على أمها، فقال: ((إن صدقت رؤياك ليكون من يبايع له بالخلافة)).
وجلست أمه يوما تمشطه وهو صبي صغير، وأبوه معاوية مع زوجته الحظية عنده في المنظرة وهي فاختة بنت قرظة، فلما فرغت من تمشيطه نظرت أمه إليه فأعجبها، فقبلت بين عينيه، فقال معاوية عند ذلك:
إذا مات لم تفلح مزينة بعده ... فنوطى عليه يا مزين التمايما
Bogga 25
وانطلق يزيد يمشي وفاختة تتبعه بصرها، ثم قالت: لعن الله سواد ساقي أمك، فقال معاوية: أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله. وهو ولده منها وكان أحمق. فقالت فاختة: لا والله ولكنك تؤثر هذا عليه، فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفيه قبل أن تقومي من مجلسك هذا، ثم دعا بابنها عبد الله فقال له: ((قد بدا لي أن أعطيك كلما تسألني في مجلسي هذا))، فقال: ((اشتر لي كلبا قاربا وحمارا فارها))، فقال: يا بني أنت حمار ونشتري لك حمارا. قم فاخرج، ثم قال لأمه: كيف رأيت؟ ثم استدعى بيزيد فقال: إني قد بدا لي أن أعطيك كلما تسألني في مجلسي هذا، فخر يزيد ساجدا ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه في هذا الرأي، حاجتي أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صايفة المسلمين، وتأذن لي في الحج إذا رجعت، وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة لكل رجل في عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتفرض لأيتام بني جمح وأيتام بني سهم وأيتام بني عدي، فقال ولأيتام بني عدي؟ فقال لأنهم حالفوا وانتقلوا إلى داري فقال معاوية: ((قد فعلت ذلك كله، وقبل وجهه ثم قال لفاختة بنت قرظة: كيف رأيت؟
Bogga 26
(فقالت): يا أمير المؤمنين أوصه بي، فأنت أعلم به مني ففعل.
وفي رواية: أن يزيد لما قال له أبوه: سلني حاجتك، قال له يزيد: أعتنقني من النار، أعتق الله رقبتك منها، قال: وكيف؟ قال: لأني وجدت في الآثار أنه ((من تقلد أمر الأمة ثلاثة أيام حرمه الله على النار))، فاعهد إلي بالأمر من بعدك، ففعل.
وقال العيني: رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاما فقال له: اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه، سوه لك، أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك، والله لقد منعتني القدرة من الانتقام من ذوي الأحق، وإن أحسن لمن عفا لمن قدر.
قلت: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا مسعود يضرب غلاما فقال: ((اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه)).
Bogga 27
قال العتبي: وقدم (زياد) بأموال كثيرة، وبسفط مملو جوهرا على معاوية، فسر بذلك معاوية، فقام زياد وصعد المنبر، ثم افتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية، فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن حزب زياد بن عبيد إلى حزب بني أمية ، فقال له معاوية: ((اجلس فداك أبي وأمي)).
وعن عطاء بن السايب قال: غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف بن قيس: ((يا أمير المؤمنين إنما هم أولادنا نار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، إن غضبوا فأرضهم، وإن طلبوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك، ويتمنوا موتك)). فقال معاوية: ((لله درك يا أبا بحر)). ((يا غلام إيت يزيد فأقره مني السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بماية ألف درهم وماية ثوب))، فقال يزيد: ((من عند أمير المؤمنين؟)) فقال: الأحنف. ((فقال يزيد: لا جرم، لأقاسمنه)) فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفا وخمسين ثوبا.
Bogga 28
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا العلائي، ثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان يزيد في حداثته صاحب شراب يأخذ مأخذ الأحداث، فأحس معاوية بذلك، فأحب أن يعظه في رفق فقال: يا بني، ما أقدرك على أن تتصل إلى حاجتك من تهتك يذهب بمروتك وقدرك، ويشمت بك عدوك، ويسيء صديقك، ثم قال: يا بني إني منشدك أبياتا فتأدب بها واحفظها فأنشده:
انصب جدارا في طلاب العلا ... واصبر على هجر الخبيث القريب
حتى إذا الليل أتى بالدجى ... واكتحلت بالغمض عين الرقيب
فباشر الليل بما تشتهي ... فإنما الليل نهار الأريب
كم فاسق تحسبه ناسكا ... قد باشر الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره ... فبات في أمن وعيش خصيب
ولدة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو مريب
وراوي هذه الأبيات محمد بن زكريا ضعيف، قلت: وهذا كما جاء في الحديث ((من ابتلى بشيء من القاذورات فليستتر يستره الله عز وجل)).
Bogga 29
وروى الواقدي والمدائني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [أنه] وفد إلى معاوية فأمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه فيعزيه في الحسن ابن علي، فلما دخل على ابن عباس رحب به وأكرمه وجلس عنده بين يديه، فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه فأبى وقال: إنما أجلس مجلس المعزي لا المهني. ثم ذكر الحسن فقال: رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها وأعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وعوضك من مصابك ما هو خير لك ثوابا وخير عقبا، فلما نهض يزيد من عنده قال ابن عباس: ((إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء الناس)) ثم أنشد:
معاض عن العوراء لا ينطقونها ... وأصل وراثات الحلوم الأوائل
Bogga 30
وقد كان يزيد أول من غزا القسطنطينية في سنة سبع وأربعين في قول يعقوب بن سقان، وقال خليفة بن خياط سنة خمسين، ثم حج بالناس في تلك السنة بعد مرجعه من هذه الغزوة من أرض الروم، وقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أول جيش يغزو مدينة قبرص وقيصر مغفور لهم وهو الجيش الثاني الذي رآه عند أم حرام فقالت: ((أعوذ بالله أن تجعلني منهم)) فقال: ((أنت من الأولين)). يعني جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة سبع وعشرين أيام عثمان ابن عفان وكانت معهم أم حرام (فماتت)) هناك بقبرص، ثم كان أمير الجيش الثاني ابنه يزيد بن معاوية، ولم تدرك أم حرام جيش يزيد هذا، وهذا من أعظم دلائل النبوة.
وقد أورد ابن عساكر ها هنا الحديث الذي رواه عامر عن الأعمش عن إبراهيم بن عبيدة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قومي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)).
كذلك رواه عبد الله بن حبق عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أورد من طريق حماد بن سلمة عن أبي محمد عن زرارة بن أوس: ((في القرن عشرون ومائة سنة فبعث الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في قرن آخره موت يزيد بن معاوية)).
Bogga 31
وقال أبو بكر بن عياش: ((حج بالناس يزيد بن معاوية في سنة إحدى وخمسين واثنين وخمسين و(ثلاث) وخمسين.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: ((ثنا أبو كريب، ثنا رشيد الدين، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج: أن معاوية قال ليزيد كيف تراك فاعلا إذ وليت؟ قال: ((يمتع الله بك يا أمير المؤمنين قال: لتخبرني. قال: كنت والله عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب، فقال معاوية: سبحان الله، والله لقد جهدت على سيرة عثمان بن عفان فما أطقتها، فكيف بك وسيرة عمر؟
Bogga 32
وقال الواقدي: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن العلي، قال: ((قال معاوية ليزيد وهو يوصيه عند الموت: يا يزيد اتق الله فقد وطأت لك هذا الأمر، (وتوليت) من ذلك ما وليت فإن يك خيرا فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك شقيت به فارفق بالناس واغمض عما بلغك من قول تؤذى به وتنتقص به، وطال عليه يهنك عيشك، وتصلح لك رعيتك، وإياك والمناقشة وحمل الغضب، فإنك تملك نفسك ورعيتك، وإياك وجفوة أهل الشرف واستهانتهم والتكبر عليهم. (لن) لهم لينا بحيث لا يرون منك ضعفا ولا جورا، وأوطئهم فراشك، وقربهم إليك، وادنهم منك فإنهم يعلون لك حقك ولا تهنهم ولا تستخفن بحقهم فيهينوك ويستخفوا بحقك ويقعوا فيك، فإذا أردت أمرا فادع المسنين والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى، فشاورهم ولا تخالفهم وإياك والاستبداد برأيك، فإن الرأي ليس في صدر واحد، وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واحذف ذلك عن سياستك وخدمتك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك تصلح لك الناس، لا تدع لهم فيهم مقالا فإن الناس سراع إلى الشر واحضر الصلاة فإنك إذا فعلت ما أوصيك به عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك وعظمت في أعين الناس، واعرف شرف أهل المدينة ومكة فإنهم أصلك وعشيرتك، واحفظ لأهل الشام شرفهم فإنهم أنصارك وحماتك وجندك الذين بهم تصول وتنتصر على أعدائك، وتصل إلى أهل طاعتك، واكتب إلى أمصارك بكتاب تعدهم فيه منك المعروف فإن ذلك يبسط آمالهم، وإن وفد عليك وافد من الكور كلها فأحسن إليهم وأكرمهم فإنهم لمن وراءهم، ولا تعتمد قول قاذف ولا عاجل فإني رأيتهم وزراء سوء)).
Bogga 34
ومن وصية أخرى أن معاوية قال ليزيد: إن لي خليلا من أهل المدينة فأكرمه قال: ((ومن هو؟ قال: عبد الله بن جعفر. فلما وفد -بعد موت معاوية- على يزيد أضعف جائزته التي كان معاوية يعطيه إياها، وكانت جائزته على معاوية ستمائة ألف فأعطاه يزيد ألف ألف. فقال له: ((بأبي أنت وأمي)). فأعطاه ألف ألف أخرى. فقال له ابن جعفر: ((والله لا أجمع (أمري) لأحد بعدك. ولما خرج ابن جعفر من عند يزيد وقد أعطاه ألفي ألف، رأى على باب بزيد بخاتى مبركات قد قدمن عليه هدية من خراسان، فرجع عبد الله بن جعفر إلى يزيد، فسأله منها ثلاث بخاتى، ليركب عليها إلى الحج والعمرة، وإذا وفد إلى الشام على يزيد، فقال يزيد للحاجب: ((ما هذه البخاتى التي بالباب؟)) ولم يكن نبوبها، فقال: يا أمير المؤمنين هي أربعمائة بختية جاءتنا تحمل أنواع الألطاف، وكان عليها أنواع من الأموال كلها، فقال: ((اصرفها إلى أبي جعفر بما عليها. فكان عبد الله بن جعفر يقول: أتلومونني على حسن الرأي في هذا يعني يزيد.
وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم، والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة، وحسن الرأي في الملك، وكان حسن المعاشرة، وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلاة في بعض الأوقات وإقامتها في غالب الساعات.
Bogga 35
وقد قال الإمام أحمد: ((حدثنا أبو عبد الرحمن، ثنا حيوة، حدثني بشير بن أبي عمرو الخولاني)): أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون خلف بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ويقرءون القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر)). قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال المنافق كافر، والفاجر يتأكل به والمؤمن يعمل به. تفرد به أحمد. وقال الحافظ أبو يعلى: ((ثنا زهير بن حرب، ثنا الفضل بن ذكين ثنا كامل أبو العلا سمعت أبا صالح، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تعوذوا بالله من سنة سبعين ومن إمارة الصبيان)).
وروى الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال في يزيد بن معاوية:
Bogga 36
لست منا وليس خالك منا ... يا مضيع الصلاة للشهوات
قال: وزعم بعض الناس أن هذا الشعر لموسى بن سيار، ويعرف.
وروى عن عبد الله بن الزبير أنه سمع جارية له تتغنى بهذا البيت فضربها وقال: قولي:
أنت منا وليس خالك منا ... يا مضيع الصلوة للشهوات
وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن هشام بن الغار عن مكحول عن أبي عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد)).
وهذا منقطع بين مكحول وأبي عبيدة، بل معضل.
Bogga 37
وقد رواه ابن عساكر، من طريق صدقة بن عبد الله الدمشقي، عن هشام بن الغار، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الحينى، عن أبي عبيدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال أمر هذه الأمة قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد)) ثم قال: وهو منقطع بين مكحول وأبي ثعلبة.
Bogga 38
وقال أبو يعلى: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان عن خالد، عن أبي العالية، قال: كنا مع أبي ذر بالشام فقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أول من يغير سنتي رجل من بني أمية))، ورواه خزيمة، عن بندار، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن عوف، حدثنا مهاجر بن أبي مخلد، حدثني أبو العالية، حدثني أبو مسلم عن أبي ذر فذكر نحوه. وفيه قصة وهي أن أبا ذر كان في غزاة عليهم يزيد بن أبي سفيان، فاغتصب يزيد من رجل جارية، فاستعان الرجل بأبي ذر، فأبى يزيد أن يردها عليه فأمره أبو ذر أن يردها عليه، ( ) فذكر له أبو ذر الحديث فردها وقال يزيد لأبي ذر: ((نشدتك الله، هو أنا؟)) قال: ((لا)). وكذا رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، ثم قال البخاري والحديث معلول ولا يعرف أن أبا ذر قدم الشام زمن عمر بن الخطاب، قال: ((وقد مات يزيد بن أبي سفيان زمن عمر فولى مكانه أخاه معاوية. وقال عباس الدوري سألت ابن معين: أسمع أبو العالية من أبي ذر؟ قال: ((لا)). إنما يروى عن أبي مسلم عنه. قلت: ((فمن أبو مسلم هذا؟)) قال: ((لا أدري)).
وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذم يزيد بن معاوية كلها موضوعة لا يصح منها شيء، وأجود ما ورد ما ذكرناه على ضعف أسانيده وانقطاع بعضه، والله أعلم.
وقال الحارس بن مسكين عن سفيان، عن يشيب، عن عرقلة بن المستظل قال: ((سمعت عمر بن الخطاب يقول: قد علمت ورب الكعبة متى نهلك العرب، إذا ساسهم من لم يدرك جاهلية ولم يكن له قدم في الإسلام)).
Bogga 39
قلت: ((يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه في عمله شرب الخمر وإتيان بعض الفواحش)). فأما قتل الحسين فإنه كما قال جده أبو سفيان يوم أحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه. وقد قال: ((لو كنت أنا لم أفعل معه ما فعله ابن مرجانة)) يعني عبيد الله بن زياد. وقال للرسل الذين جاءوا برأسه: قد كان يكفيكم من الطاعة دون هذا. ولم يعطهم شيئا، وأكرم آل بيت الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في محامل وأبهة عظيمة. وقد ناح أهله في منزله على الحسين، حتى كان أهل الحسين عندهم ثلاثة أيام. وقد قيل: إن يزيد فرح بقتل الحسين أول ما بلغه، ثم ندم على ذلك، فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ((إن يونس بن حبيب الجرمي حدثه قال: لما قتل ابن زياد الحسين ومن معه، بعث برءوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولا وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم فكان يقول: ((وما كان لو احتملت الأذى وأنزلته في داري وحكمته فيما يريد وإن كان علي في ذلك وكف ووهن في سلطاني حفظا لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]، ورعاية لحقه وقرابته. ثم يقول: لعن ابن مرجانة، فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأله أن يخلى سبيله أو يأتيني به أو يكون بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله فلم يفعل بل آسى عليه، وقتله، فبغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة فأبغضني البر والفاجر بما استعظم الناس من قتلى حسينا، مالي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه)).
Bogga 40
ولما خرج أهل المدينة عن طاعته وخلعوه، وولوا عليهم ابن مطيع وابن حنظلة، لم يذكروا عنه وهم أشد الناس عداوة له إلا ما ذكر عنه من شرب الخمور، وإتيانه بعض القاذورات، ولم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض. بل كان فاسقا، والفاسق لا يجوز خلعه لأجل ما يثور بسبب ذلك من الفتنة وغير ذلك. وقد كان في قتال أهل الحرة كفاية، ولكن تجاوز الحد بإباحة المدينة (لثلاثة) أيام فوقع بسبب ذلك شر عظيم.
وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد، ولم يبايع أحدا بعد بيعته ليزيد، كما قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل بن علية، حدثني صخر بن جويرية، عن نافع، قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر بيته وأهله، ثم تشهد، ثم قال: ((أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر -إلا أن يكون الإشراك بالله- أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته. فلا يخلعن أحد منكم يزيد، ولا يسرعن أحد منكم في هذا الأمر فيكون السلم بيني وبينه)).
Bogga 41
وقد رواه مسلم والترمذي من حديث صخر بن جويرية. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقد رواه أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر فذكر مثله.
Bogga 42
ولما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية، فراودوه على خلع يزيد، فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: ((إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة، متحريا للخير يسأل عن الفقه، ملازما للسنة. قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم (لشركاؤه)، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه. فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة)). فقال: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} ولست من أمركم في شيء. قالوا: ((فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا. فقال: ما استحل القتال على ما (تريدون) مني عليه تابعا ولا متبوعا. قالوا: فقد قاتلت مع أبيك فقال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه. فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا. فقال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاما نحض الناس فيه على القتال. قال: سبحان الله آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذا ما نصحت الله في عباده. قالوا: إذا نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله وألا (يرضوا) المخلوق بسخط الخالق)) وخرج إلى مكة.
Bogga 43