Rules of Rulings in the Interests of People
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
Daabacaha
مكتبة الكليات الأزهرية
Goobta Daabacaadda
القاهرة
[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]
ِ كُلُّ صِفَةٍ قَبِيحَةٍ جِبِلِّيَّةٍ لَا كَسْبَ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهَا وَلَا وِزْرَ، كَقُبْحِ الصُّورَةِ، وَدَمَامَةِ الْخَلْقِ، وَشَنَاعَةِ الْأَعْضَاءِ، وَنَقْصِ الْعُقُولِ وَالْحَوَاسِّ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ كَالْقِحَةِ وَالْجُبْنِ وَالشُّحِّ وَالْبُخْلِ، وَالْمَيْلِ إلَى كُلِّ رَذِيلَةٍ، وَالنُّفُورِ عَنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَالْقَسْوَةِ وَالْعَجَلَةِ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ غَيَّهُ مِنْ رُشْدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْقِبَاحِ. فَمَنْ أَجَابَ هَذِهِ الصِّفَاتِ إلَى مَا تَقْتَضِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ كَانَ مُعَاقَبًا عَلَى قُبْحِ إجَابَتِهِ، لَا عَلَى قُبْحِ أَوْصَافِهِ، وَمَنْ خَالَفَهَا وَوَافَقَ الشَّرْعَ فِي قَهْرِهَا وَالْعَمَلِ بِخِلَافِ مُقْتَضَاهَا كَانَ مُثَابًا عَلَى مُخَالَفَتِهِ غَيْرَ مُعَاقَبٍ عَلَى قُبْحِ صِفَاتِهِ، هَذَا إنْ قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى عَمَلِهِ وَعَلَى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرِّيَاءَ أَوْ التَّسْمِيعَ أَثِمَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّجَمُّلَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ، فَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَجْهَ اللَّهِ، وَلَا وِزْرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّرْعُ التَّجَمُّلَ وَالتَّزَيُّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ﴾ [النحل: ٦] وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] . وَلَا أَعْرِفُ فِي الْوُجُودِ شَيْئًا أَكْثَرَ تَقَلُّبًا فِي الْأَوْصَافِ وَالْأَحْوَالِ مِنْ الْقُلُوبِ، لِكَثْرَةِ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنْ الْخَوَاطِرِ وَالْقُصُورِ، وَالْكَرَاهَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالْأَفْرَاحِ وَالْأَحْزَانِ، وَالِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ، وَالِارْتِفَاعِ وَالِانْحِطَاطِ، وَالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ، وَالشُّكُوكِ وَالْعِرْفَانِ، وَالنُّفُورِ وَالْإِقْبَالِ، وَالْمَسْأَلَةِ وَالْمَلَالِ، وَالْخُسْرَانِ وَالنَّدَمِ، وَاسْتِقْبَاحِ الْحَسَنِ وَاسْتِحْسَانِ الْقَبِيحِ، وَلِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهَا كَانَ ﵇ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك»، وَكَانَتْ
1 / 138