Rules of Rulings in the Interests of People

Al-Izz Ibn Abd al-Salam d. 660 AH
135

Rules of Rulings in the Interests of People

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Daabacaha

مكتبة الكليات الأزهرية

Goobta Daabacaadda

القاهرة

فَإِنْ قِيلَ: الْقَتْلُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْقَاتِلِ الْكَافِرِ، فَكَيْفَ يَتَمَنَّى الْإِنْسَانُ الشَّهَادَةَ مَعَ أَنَّ تَسَبُّبَهَا مَعْصِيَةٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا يَتَمَنَّى الْقَتْلَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَتْلٌ وَإِنَّمَا تَمَنَّى أَنْ يَثْبُتَ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ أَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ ثَوَابُهُ عَلَى تَعَرُّضِهِ لِلْقَتْلِ لَا عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ، وَعَلَى هَذَا يُجْعَلُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ [آل عمران: ١٤٣]، أَيْ تَمَنَّوْنَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْا أَسْبَابَهُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَمَنَّى الْإِنْسَانُ الْقَتْلَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِنِيلِ مَنَازِلِ الشُّهَدَاءِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَتْلًا وَمَعْصِيَةً، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ ﵁ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِك، وَمَوْتًا فِي بَلَدِ رَسُولِك. وَأَمَّا قَتْلُ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْ الْبُغَاةِ، وَلَا يُثَابُ الْمَقْطُوعُ عَلَى خَطَأِ غَيْرِهِ، وَكَذَا الثَّوَابُ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْبَغْيِ بِالْقِتَالِ. [فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ] ِ كُلُّ صِفَةٍ جِبِلِّيَّةٍ لَا كَسْبَ لِلْمَرْءِ فِيهَا، كَحُسْنِ الصُّوَرِ، وَاعْتِدَالِ الْقَامَاتِ وَحُسْنِ الْأَخْلَاقِ، وَالشَّجَاعَةِ وَالْجُودِ، وَالْحَيَاءِ وَالْغَيْرَةِ، وَالنَّخْوَةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ، وَنُفُوذِ الْحَوَاسِّ، وَوُفُورِ الْعُقُولِ، فَهَذَا لَا ثَوَابَ عَلَيْهِ مَعَ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَسْبٍ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِ، وَإِنَّمَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى ثَمَرَاتِهِ الْمُكْتَسَبَةِ، فَمَنْ أَجَابَ هَذِهِ الصِّفَاتِ إلَى مَا دَعَتْ إلَيْهِ الشَّرِيعَةُ كَانَ مُثَابًا عَلَى إجَابَتِهِ جَامِعًا لِصِفَتَيْنِ حَسْنَاوَيْنِ إحْدَاهُمَا: جِبِلِّيَّةٌ، وَالْأُخْرَى كَسْبِيَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَى ذَلِكَ كَانَ وَصْفُهُ حَسَنًا وَفِعْلُهُ قَبِيحًا، وَأَمَّا مَا يَصْدُرُ عَنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنْ آثَارِهَا الْمُكْتَسَبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ فَلَا ثَوَابَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الرِّيَاءَ وَالتَّسْمِيعَ أَثِمَ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى أُجِرَ وَفَازَ بِخَيْرِ الدَّارَيْنِ وَمَدْحِهِمَا.

1 / 137