Rules of Rulings in the Interests of People

Al-Izz Ibn Abd al-Salam d. 660 AH
12

Rules of Rulings in the Interests of People

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Daabacaha

مكتبة الكليات الأزهرية

Goobta Daabacaadda

القاهرة

بِأَيِّ نَوَاحِي الْأَرْضِ نَرْجُو وِصَالَكُمْ ... وَأَنْتُمْ مُلُوكٌ مَا لِمَقْصِدِكُمْ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَنْ تَصِلَ إلَى شَيْءٍ إلَّا بِاَللَّهِ فَكَيْفَ تُوصَلُ بِغَيْرِهِ. [فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ] (فَصْلٌ) الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ الْأَفْرَاحُ وَاللَّذَّاتُ، وَالثَّانِي مَجَازِيٌّ وَهُوَ أَسْبَابُهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَسْبَابُ الْمَصَالِحِ مَفَاسِدُ فَيُؤْمَرُ بِهَا أَوْ تُبَاحُ لَا لِكَوْنِهَا مَفَاسِدَ بَلْ لِكَوْنِهَا مُؤَدِّيَةً إلَى مَصَالِحَ، وَذَلِكَ كَقَطْعِ الْأَيْدِي الْمُتَآكِلَةِ حِفْظًا لِلْأَرْوَاحِ، وَكَالْمُخَاطَرَةِ بِالْأَرْوَاحِ فِي الْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً لِكَوْنِهَا مَفَاسِدَ بَلْ لِكَوْنِهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْ شَرْعِهَا كَقَطْعِ السَّارِقِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْجُنَاةِ وَرَجْمِ الزُّنَاةِ وَجَلْدِهِمْ وَتَغْرِيبِهِمْ: وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرَاتُ، كُلُّ هَذِهِ مَفَاسِدُ أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ لِتَحْصِيلِ مَا رُتِّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْحَقِيقَةِ، وَتَسْمِيَتُهَا بِالْمَصَالِحِ مِنْ مَجَازِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ. وَكَذَلِكَ الْمَفَاسِدُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ الْغُمُومُ وَالْآلَامُ، وَالثَّانِي مَجَازِيٌّ وَهُوَ أَسْبَابُهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَسْبَابُ الْمَفَاسِدِ مَصَالِحَ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا لَا لِكَوْنِهَا مَصَالِحَ بَلْ لِأَدَائِهَا إلَى الْمَفَاسِدِ وَذَلِكَ كَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ اللَّذَّاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبُهَاتِ الْمَكْرُوهَاتِ وَالتَّرَفُّهَاتِ بِتَرْكِ مَشَاقِّ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ فَإِنَّهَا مَصَالِحُ نُهِيَ عَنْهَا لَا لِكَوْنِهَا مَصَالِحَ بَلْ لِأَدَائِهَا إلَى الْمَفَاسِدِ الْحَقِيقَةِ وَتَسْمِيَتُهَا مَفَاسِدُ مِنْ مَجَازِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ. [فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ] (فَائِدَةٌ) الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ قَلِيلَةٌ وَكَذَلِكَ الْمَفَاسِدُ الْمَحْضَةُ، وَالْأَكْثَرُ مِنْهَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﵇: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» . وَالْمَكَارِهُ مَفَاسِدُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَكْرُوهَاتٍ مُؤْلِمَاتٍ، وَالشَّهَوَاتُ مَصَالِحُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا شَهَوَاتٍ مَلَذَّاتٍ مُشْتَهَيَاتٍ، وَالْإِنْسَانُ بِطَبْعِهِ يُؤْثِرُ مَا رُجِحَتْ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَفْسَدَتِهِ، وَيَنْفِرُ مِمَّا رُجِحَتْ مَفْسَدَتُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ الْحُدُودُ وَوَقَعَ التَّهْدِيدُ

1 / 14